“الكابيتال كونترول”… صكّ براءة للسلطة والمودعون هم الخاسر الأكبر

“في التأنّي السّلامة، وفي العجلة النّدامة”. هذا ليس مثلًا شعبيًّا فحسب، بل شعار قرّرت السّلطة الحاكمة أن تعتمده في ممارساتها المستمرّة وإجراءاتها. وآخر فصوله تجلّت في ما يتعلّق بقانون “الكابيتال كونترول”، الّذي تأنّت السّلطة نحو 3 سنوات قبل إقراره، حتّى لم يعد هناك “كابيتال” لإجراء “كونترول” عليه.

كان من المفترَض إقرار قانون يضع ضوابط استثنائيّة وموقّتة على التّحاويل المصرفيّة والسّحوبات النّقديّة أو “كابيتال كونترول” منذ خريف عام 2019، بعدما أصبح انهيار النّظام المالي أفظع من أن تخفيه تطمينات وهميّة وأنماط حياة مزيّفة. لكن جريًا على عادتها، اعتمدت السّلطة سياسة المماطلة، وبدل أن تقرّ قانون “الكابيتال كونترول”، قرّرت أن تطبّقه بطريقة غير مباشرة، عبر السّماح بتحويل ملايين لا بل مليارات الدّولارات إلى الخارج من جهة، ومنع المودعين من سحب أموالهم وودائعهم من جهة أخرى.

غير أنّ دخول صندوق النّقد الدّولي على خطّ الأزمة الاقتصاديّة الماليّة والنّقديّة في لبنان، وشمول شروطه العديد من الإجراءات الإصلاحيّة الأساسيّة، خَلط الأوراق وأعاد قانون “الكابيتال كونترول” إلى الواجهة. فتبنّى مجلس الوزراء الّذي اجتمع في 30 آذار في قصر بعبدا، مشروع القانون مع إدخال بعض التّعديلات عليه، وأَرسله إلى مجلس النوّاب لتَدرسه اللّجان وتُحيله بعدها إلى الهيئة العامّة للمجلس لإقراره.

الصّيغة الحاليّة المفخّخة لـ”الكابيتال كونترول”، الّتي تُناقَش بدلًا من تلك الّتي “هبطت” على اجتماع اللّجان النّيابيّة المشتركة الشّهر الماضي، جوبهت بالكثير من الاعتراضات والملاحظات.

في هذا الإطار، لفت الباحث والخبير الاقتصادي والمالي محمود جباعي، لـ”هنا لبنان”، إلى أنّ “قانون “الكابيتال كونترول” الحالي الّذي أَعدّه فريق رئيس الحكومة، لا يراعي أبدًا حقوق المودعين”.

وأكّد أنّ “القانون هو فقط من أجل تمرير الاتّفاق مع صندوق النّقد، علمًا أنّ الأخير لم يشترط صراحةً إقرار “الكابيتال كونترول” كما يُشاع في لبنان. فبعد تواصلنا مع العديد من خبراء الصّندوق، أكّدوا أنّه لا يوجد شرط إلزامي بأن يكون هناك “كابيتال كونترول”، والشّروط الإلزاميّة مرتبطة بإصلاحات الكهرباء والإصلاحات الإداريّة والماليّة الأخرى”. وذكر أنّ “المفاوضات مع صندوق النّقد ما زالت ببدايتها، والأمور ستأخذ وقتًا طويلًا لتصل إلى خواتيمها السّعيدة”.

القانون المذكور تأخّر كثيرًا ولم يعد نافعًا، وأوضح جباعي أنّ “إقراره في هذا الوقت مستغرَب جدًّا، لأنّ “الكابيتال راح، وبالتّالي كونترول على شو؟”، بعدما أهدرنا 8.5 مليار دولار من أموال الدولة، تحوَّل جزءٌ كبيرٌ منها إلى الخارج وجزءٌ بقي في الدّاخل، بالإضافة إلى أنّ هناك سياسيّين استفادوا وهرّبوا أموالهم إلى الخارج، كما كان هناك دعم خاطئ”.

وركّز على “أنّنا خسرنا معظم رؤوس المال بسبب تحويلات ماليّة خلال الأزمة، واليوم للأسف يحاولون القيام بـ”كابيتال كونترول” لضبط المودعين، وإهدار المزيد من حقوقهم”، مبيّنًا أنّه “لا يوجد أيّ بند يسمح للمودع بأن يأخذ حقّه، وهذا أمر خطير جدًّا”.

وعمّا إذا كان يصنّف إقرار القانون في خانة القرارات الإصلاحيّة، أم في خانة القرارات الشّعبويّة، فسّر جباعي أنّ “الكابيتال كونترول الحالي ليس قرارًا إصلاحيًّا أبدًا، فلا يمكن إقراره وتطبيقه من دون خطّة تعافي اقتصادي مالي شفّافة وواضحة، يمكن أن تأخذنا إلى حلّ سياسي وتضع لبنان على السكّة الصّحيحة”.

وشدّد على أنّه “ليس أبدًا قرارًا شعبويًّا، فهو قرار ضدّ الشّعب ويخدم مصالح مَن هُم في السّلطة فقط، في محاولة لمحاكاة صندوق النّقد وحماية أنفسهم وتحويلاتهم الماليّة إلى الخارج. هذا القانون لا يحمي أموال المودعين أبدًا”، مطالبًا بـ”كابيتال كونترول يوقف الاستنسابيّة وينظّم العلاقة بين المصارف والمودعين”.

وشرح أنّ “لا مشكلة أن تكون هناك مدّة زمنيّة لإعادة الأموال، شرط أن تكون بعد نهاية هذه المدّة هناك خطّة واضحة لكيفيّة إعادة باقي المبلغ، أي أنّ قانون “الكابيتال كونترول” لا يستطيع أن يضع لي ضبطًا على السّحوبات لمدّة 3 أو 5 سنوات، وبعد انقضاء هذه المدّة لا يوضح كيف ستُعاد الأموال إليّ”. وأفاد بأنّ “هذا الأمر تفتقده كلّ مشاريع “الكابيتال كونترول” الّتي تُقدَّم، ولذلك هي مرفوضة رفضًا قاطعًا من قبل المودعين”.

أسهم الانتقاد وُجّهت مباشرةً إلى اللّجنة الخاصّة المخوّلة تطبيق “الكابيتال كونترول”، الّتي يمنحها القانون صلاحيّات واسعة، فتمنع التّحويلات بقرار منها وتحدّد السّحوبات المصرفيّة وقراراتها مبرمة…

وأشار جباعي في هذا الصّدد، إلى أنّ “اللّجنة مضحكة جدًّا، لأنّها تؤكّد الاستنسابيّة، وما دام الأشخاص الّذين أخذونا إلى الانهيار، هم أنفسهم سيكونون في لجان لحماية أموال المودعين، فهذا يجعلنا نشكّك كثيرًا بالحلّ المطروح”. وأكّد أنّه “للأسف الشّديد، الاستنسابيّة ستبقى مستمرّة إذا أخذت هذه اللّجنة قراراتها وفق أهوائها”.

إذًا، الصّيغة الحاليّة من قانون “الكابيتال كونترول”، الّتي لم تأتِ على ذِكر كيفيّة حفظ حقوق المودعين ولم تضع جدولًا زمنيًّا لتفاصيل استعادة الأموال، ليست سوى ستار تنوي السّلطة السّياسيّة الاختباء خلفه، لتُكمل مشاريعها التّهريبيّة والتّحويليّة الفاجرة، ولتَبتلع ما تبقّى من فُتات أموال في المصارف. ويجدر التّنويه هنا بأخلاقيّات هذه السّلطة، الّتي قرّرت أن تُكمل سرقاتها وقضم حقوق المواطنين، لكن قانونيًّا!

زر الذهاب إلى الأعلى