الرسوم على السيارات والمحروقات و”الخليوي”: 75% نقداً و25% بموجب شيك مصرفي… صفر أعباء على المواطنين و900 مليار ليرة للخزينة شهرياً

مع تفاقم الأزمة المالية ولاقتصادية وسقوط قيمة الليرة، زاد الفقر والقلة بين الناس، وزادت معهما حاجات الدولة، ومسؤوليتها الأدبية في بناء الحد الأدنى من شبكة أمان اجتماعي، تبعد شبح الجوع والعوز عمن يفترض أنهم مواطنوها، خصوصا محدودي الدخل، والعسكريين في الأسلاك كافة، والمتقاعدين، إضافة الى موظفي الإدارة العامة.

أمام هذا الواقع، زادت الدولة الرواتب والأجور بنسبة 3 أضعاف، وكذلك نسب التعويضات المتممة للرواتب والأجور، ورفعت أيضا تعويضات بدل النقل اليومي، مما رفع حاجتها الشهرية الى سيولة طائلة لتغطية الإعتمادات المطلوبة من حسابها في مصرف لبنان، الذي كان يعاني، ولا يزال، عجزا خطيرا نتيجة أمرين: الأول، التدني الكبير في قيمة الرسوم والضرائب المجباة بسبب انهيار سعر الليرة، والثاني، لجوء جميع المستوردين والتجار الى تسديد الرسوم الجمركية، والقيمة المضافة، وغيرها من المتوجبات الضريبية، بالشيك المصرفي.

إستفاد المستوردون والتجار من هذه العملية، فهم من جهة إستطاعوا التخلص من ودائعهم العالقة في المصارف، حيث لا قدرة لهم على سحبها كاملة، بفعل سياسة مصرف لبنان، والمصارف التي تلتزم قراره تحديد سقوف السحوبات الشهرية، ومن جهة أخرى، أفادوا من تحوّل هذه المدفوعات بالشيكات، الى عملة صعبة نقدا، بعد إدغامها مع سعر كلفة السلعة المستوردة عند المبيع، مما سمح لهم بالمحافظة على قيمتها نسبيا.

اما الدولة التي غابت فترة طويلة عن التنبه، أو وقف التغافل عن خسائر كانت تصيب ماليتها ونقدها، فقد وعت، أولا: على ضرورة ضخ المزيد من “الليرة الكاش” في حسابها لدى مصرف لبنان، لتغطية حاجاتها المتزايدة، لتأمين مصاريفها، وثانيا: التخفيف قدر الإمكان من طباعة الليرة، وهو الأمر الذي اضطُر اليه المصرف المركزي مجبرا لتغطية مصاريف الدولة، مما تسبب بتضخم مريع في الكتلة النقدية ناهز الـ75 ألف مليار ليرة، والمزيد من تهاوي الثقة بها.

في العاشر من الجاري، أصدر وزير المال قرارا منسقا مع مصرف لبنان، أبلغه إلى إدارة الجمارك، أعادت وزارة المال عبره بعض الإنتظام الى موارد حسابها “نقداً” في مصرف لبنان، في خطوة قد تساعد في امتصاص النقد من السوق، وخفض نسبة التضخم، فيما لو سارت الأمور وفقا لما يبتغيه واضعو القرار الذي حدد كيفية استيفاء الضريبة الجمركية على المحروقات والسيارات وأجهزة الخليوي. ونص القرار على أن يتم استيفاء 75%؜ من الضريبة الجمركية على هذه السلع نقدا و25% بموجب شيك مصرفي.

وفي الارقام التي يمكن ان تستوفيها الخزينة نتيجة القرار ونسبة لحجم الاستيراد، يتبين وفق الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين أن لبنان استورد مشتقات نفطية في العام 2022 بنحو 5.390 مليارات دولار، وسيارات بقيمة 1.421 مليار دولار، وهواتف خليوية بقيمة 327 مليون دولار، اي ما مجموعه نحو 7 مليارات دولار. وفي حال كان حجم الاستيراد لهذه السلع في العام 2023 مشابها للعام 2022 فإن الرسوم التي يمكن استيفاؤها على سعر 15 ألف ليرة، ستبلغ نحو 600 مليون دولار على المشتقات النفطية، و52 مليون دولار على الهواتف الخليوية، اما الرسوم على السيارات، وعلى رغم صعوبة تقديرها نسبة لحجم السيارة ونوعها، فإنها ستقدر بنحو 280 مليون دولار. مجموع الرسوم على هذه السلع يقدر بنحو 932 مليون دولار، وبما أن قرار وزير المال فرض تسديد 75% من الضريبة نقدا، فذلك يعني ان الدولة ستستوفي نحو 700 مليون دولار نقدا على سعر 15 ألف ليرة أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية، اي 10 آلاف مليار و500 مليون ليرة سنويا (نحو 900 مليار ليرة شهريا والبقية بموجب شيك مصرفي).

مصادر متابعة عزت لـ”النهار” هذا القرار إلى “تعزيز الايرادات النقدية للخزينة اللبنانية، وتحسين إدارة السيولة والمساهمة في الاستقرار المالي والنقدي في هذه الظروف الاستثنائية”.

وأشار القرار إلى أن الشركات المستوردة للنفط والمحروقات والغاز والسيارات تستوفي ثمن مبيعاتها نقدا من المستهلكين وليس من خلال البطاقات المصرفية، وأن ثمن السلع المذكورة أعلاه والمستوفى نقدا يتضمّن مجمل الرسوم والضرائب الجمركية، لذا من الطبيعي، وفق المصادر، أن تفرض وزارة المال استيفاء جزء من الضريبة الجمركية على هذه السلع نقداً.

وقد ألغى وزير المال قراره السابق رقم 447 الذي ينص على استيفاء 50% من الضريبة الجمركية نقداً على جميع السلع، وذلك كون السوبرماركت، على سبيل المثال، لا تزال تقبل باستيفاء 50% من مبيعاتها بالبطاقات المصرفية، وتم حصر القرار بسلع محددة حصرا.

وفيما بدأ العمل بالقرار أمس حيث حدَّد آلية واضحة لكيفية الاستيفاء النقدي للضريبة الجمركية بالتعاون مع مصرف لبنان، أكدت المصادر أن القرار لا يؤثر بتاتا على أسعار السلع، وتاليا لا علاقة للمستهلكين به، كما أنه لم يعدّل بقيمة الضريبة الجمركية، ولكن ما تم تغييره هو فرض استيفاء جزء منها نقدا.

ولكن ما هي دوافع القرار؟ وفق المصادر عينها فإن الدولة اللبنانية تسدد مدفوعاتها كافة نقدا سواء الرواتب والاجور والمساعدات الاجتماعية لموظفي القطاع العام والمتقاعدين والعسكريين واساتذة الجامعة اللبنانية، وكذلك مدفوعاتها للبلديات والمستشفيات الحكومية والمتعهدين، اضافة الى مدفوعاتها الخارجية الطارئة كمساهمة الدولة في المؤسسات الدولية، بينما في المقلب الآخر تستوفي الدولة اكثر من 95%؜ من الضرائب والرسوم على انواعها بموجب شيكات وتحاويل مصرفية الكترونية اي غير نقدية. من هنا باتت الدولة تعتمد حصرا على مصرف لبنان لتأمين السيولة النقدية لتجري مدفوعاتها نقدا. وهذا هو احد اسباب ارتفاع الكتلة النقدية لتصل الى 75 الف مليار ليرة أخيرا، فمصرف لبنان يقوم بطباعة النقد لتمويل حاجات الدولة بالليرة، ويتدخل عبر منصة “صيرفة” لشراء الدولار النقدي لتأمين نفقات الدولة بالدولار الاميركي، لا سيما ان الرواتب والاجور وبدلات النقل للقطاع العام تُدفع بالدولار على سعر منصة “صيرفة” وتصل قيمتها الشهرية الى نحو 100 مليون دولار نقدا، وكذلك يتم دفع الدعم على الادوية بالدولار الاميركي بمعدل 35 مليون دولار شهريا، تضاف اليها مصاريف اخرى متنوعة بالدولار.

أمام هذا الواقع، تؤكد المصادر أن “الدولة باتت تعاني من مشكلة اضافية هي مشكلة السيولة النقدية، لا سيما ان الازمة الاقتصادية جعلت الاقتصاد اللبناني اقتصادا نقديا الى حد كبير، بينما كان لبنان في الفترة ما قبل الازمة متقدما على بلدان اخرى في استعمال وسائل الدفع الالكترونية والبطاقات والمحافظ الالكترونية وكان يخطط لاطلاق العملة الرقمية” .

لذا، ومن اجل تحسين ادارة السيولة، عمدت وزارة المال بداية الى فرض تسديد الضريبة الجمركية بنسبة 50% نقدا بالعملة اللبنانية على السلع كافة. ونتيجة اعتراض “محق” من الصناعيين واصحاب السوبرماركت الذين يستوفون 50% من ثمن مبيعاتهم بالبطاقة المصرفية، تم الغاء القرار كليا واستبداله بالقرار الجديد الذي فرض تسديد 75% من الضريبة الجمركية على المحروقات بأنواعها والسيارات واجهزة الخليوي نقدا وبالعملة اللبنانية، والباقي اي 25% بموجب شيك مصرفي. اما حصر القرار بهذه السلع في هذه المرحلة فلأن المستهلك يدفع ثمن هذه السلع نقدا فقط، وفق المصادر التي اعتبرت ان “هذا القرار سيحسن ايرادات الخزينة النقدية وسيخفف تجارة الشيكات التي يعتبرها البعض غير قانونية حيث يقوم بعض المستوردين بشراء شيكات لتسديد الضريبة الجمركية وتحقيق ربح صاف اضافي يصل الى 20% من قيمة الضريبة التي يسددونها للخزينة. من هنا أهمية القرار الذي يفترض أنه بدأ تنفيذه من يوم أمس، بعدما تم وضع آلية تسهل عملية الاستيفاء النقدي من خلال صناديق مصرف لبنان. ويمكن لمن يرغب من المستوردين ان يسدد نقدا على صناديق الجمارك ايضا، لا سيما اذا كانت الضريبة النقدية المطلوب تسديدها صغيرة”.

اما من يتذرع من المستوردين بأن لديه اموالا في المصارف ويريد استخدامها لتسديد الضريبة الجمركية، فهو برأي المصادر منطقي “ظاهريا” وهو محق في حال كانت هذه السلع تباع للمستهلك عبر بطاقات الدفع او الشيكات، ولكن الضريبة الجمركية على السلع المذكورة في قرار وزارة المال تستوفى من ضمن ثمن هذه السلع وبشكل نقدي حصرا، أما من وافق على قبول البطاقة المصرفية فإنه يتقاضى زيادة ما بين 15 و20% على الثمن. وجددت المصادر تأكيدها ان القرار لا يطاول المستهلك بتاتا ولن يتغير أي شيء بالنسبة اليه.

POS لاستيفاء الضرائب

على صعيد آخر، علمت “النهار” ان وزارة المال تقوم بعمل جدي مع مقدمي خدمات POS لتركيب ماكينات نقاط بيع (POS) على صناديقها في المناطق كافة، وذلك لاستيفاء الضرائب من المواطنين، خصوصا صغار المكلفين، عبر بطاقات الدفع. وهذا الاجراء سيمكن المواطنين من تسديد الضرائب المتوجبة عليهم عبر بطاقاتهم وبطريقة سريعة.

زر الذهاب إلى الأعلى