بابا نويل وصلتك الرسالة؟!

كتبت فيرا بو منصف في “المسيرة” – العدد 1735 ختيار الحلم صار أيقونة… بابا نويل وصلتك الرسالة؟!

ينقر الشتاء على شباك الحلم. يا الله شو هالدفا على رغم كل الصقيع الذي يحتلنا. هي حكاية للميلاد. «قعدي حدّي ستي عندي كتير حكايات لهالليلة». نجلس أمام وجاق الحطب الملتهب، نشرب اليانسون الممزوج بالقرفة مع حصوص الجوز والتين المسطوح، ونسرح صوب الحلم نقطف الميلاد نجمة نجمة، قطفة قطفة. نبدأ من رحلة العائلة المقدسة الى بيت لحم ولا ننتهي قبل رحلتهم الأخرى المضنية الى مصر. هي حكاية إضطهاد للمسيح منذ الولادة حتى الصلب فالقيامة.

لا أحسد أحدًا في الدنيا بقدر ذاك الحمار السعيد الذي حمل العذراء الى بيت لحم، ورافق العائلة المقدسة في الكثير من رحلاتها، «هيك بتقول الحكاية يا ستي، وبيقولوا إنو هالحمار مع بقرة وصلو مع مار يوسف ع بيت لحم وبقيو معو بالزريبة مطرح لـ ولد يسوع». هي تخبرني وأنا أغرق في أمنية مستحيلة لكنها لذيذة، ليتني كنت حمار المسيح بدلاً عن ذاك الحمار المحظوظ السعيد، وحملت الرب وأمه، وجلست قبالته في المزود الحقير، وتنعّمت بدفء النور الساطع من وجهه، ولكنت الآن دخلت التاريخ من بابه العريض…

أحسد أيضًا أولئك المجوس الأغنياء الحكماء، الذين خالفوا إرادة هيرودس وطاردوا الشعاع الغريب، المنهمر من تلك النجمة الغريبة التي أشرقت عليهم من الشرق بإتجاه الغرب، بينما مسار النجوم عادة هو من الغرب الى الشرق. وتقول الحكاية إن أشهر هدايا التاريخ، هي الذهب والمر واللبان، التي قدمها غاسبار ملك الهند، ملكيور ملك فارس، وبالتازار ملك بلاد العرب، الى المسيح في مزوده.

أحسد الرعيان، أولئك الفقراء البسطاء الذين ما كانوا على علم بكل تلك الحكاية، لولا تدخل ذاك الملاك الغريب وظهوره عليهم وهم في براري الليل يسرحون، وأمرهم بأن يلحقوا النجمة، وفعلوها، والرب اختارهم لأنهم فقراء بسطاء ودعاء «شو بيحب الفقر ربنا ستي قولك ليش؟» تصلب يدها على وجهها «يا ربي دخلك ع الكفر، يا ستي ربنا بيحب القلوب البسيطة النقية النضيفة من الجشع»، معك حق ماتيل إنت العتيقة فهمت قلب المسيح قبلنا لأن قلبك كان نقيًا وديعًا…

يتساقط الثلج على مهل الحنين، تصرخ زاعقة فوق الأرض المنبسطة بجحيمها، تنتشلنا من حلم الحكاية المنبسطة فرحًا فوق ألارض العطشى للحب والأمان. انقطعت الكهرباء، «لقمي البابور ستي وضوِي شمعة ع بالي إحكي عن الميلاد بعد». ماذا نخبر يا ستي بعد ومرارة الأيام تنتشلنا من أي حلم يسبح فوق تلك الحكاية، التي تنغوش قلب قلب الدنيا، وتحاول بصعوبة بالغة إختراق زمن المصائب ذاك «المؤمن ما بيخافش من شي علينا نعمل لـ علينا والباقي ع ربنا»، تقول ستي وهي ما زالت مؤمنة أن ثمة مكاناً محجوزًا بعد لأولئك المؤمنين الأنقياء. «قومي نحضّر المغارة» تأمرني. ومغارة ستي ما زالت واقفة عند زمنها، ترفض تلك الأشجار الإصطناعية الفارهة الطول وأسعارها نار، وتُصرّ على اقتطاع غصن صنوبر من أمام البيت، تدرزه درزًا بالقطن الأبيض رمزًا الى الثلوج، وفي المغارة الصغيرة يقف مار يوسف والعذراء مريم، ولا يجلس يسوع بينهما قبل الساعة 12 من ليلة 25 كانون الأول، وفي الداخل ضوء نويصة أحمر شحيح لا ينطفئ إلا مع تلك الكهرباء المتحايلة علينا وعلى زمنها العتيق الحلو، ومن حولها التبن الأصفر والخزّ الأخضر وكم حطبة. وتُصرّ دائمًا أن تكون في صدر الليوان «هيك بيطلب منا الأبونا لأن هالمطرح ستي قلب البيت». لا شيء يلفت في تلك المغارة والزينة، لكن أمام مغارة ستي المتواضعة أجلس ساعات ولا أملّ، هناك أجد مسيحي التائه عني، هناك تحت الضوء الشحيح الدافئ، أجد حلمي الضائع في وطن الأحلام المستحيلة ذاك…

المشكلة أن ستي لم تؤمن يومًا بذاك الملتحي، الذي يلبس الأحمر وصار أيقونة أحلام الأطفال في العالم كله، «بابا نويل؟؟ شو هادا يا ستي»!!! «لاه لاه ستي دخيلك ما تزعليه ما بيعود يجبلنا الهدايا»، وتغرق تغرق في ضحكاتها البريئة، هي التي تؤمن أن بابا نويل إبن مدينة ولا يزور أهل الضيعة، ومن يفعلون باللباس الأحمر ليلة العيد، ليسوا سوى أبناء الضيعة الذين يتحايلون على لابس الأحمر، ويستنبطون حكاية القديس نيكولا من كعب كعب التاريخ. والمشكلة الأكبر أن زمن الجحيم ذاك، انتشل منا قدرة تلبية رغبات ذاك الملتحي الذي تطنطن ضحكته في أرجاء سماء الأحلام، ولم يعد بالإمكان أن نملأ كيسه السحري بالهدايا الموعودة، «غلبنا الجحيم يا ستي وصارت جيوبنا ملفى الغراب» تقول. حلو هالتعبير يا ختيارة لم تعرفي يومًا إلا الحكمة، وذاك الإيمان النظيف من دون فلسفة وتحايل على المسيح والعائلة المقدسة.

لكن يا ستي نحن ثوار، نعم ثوار لأجل المسيح والقيامة معه وفيه، ثوار يا ستي لأننا ما زلنا نؤمن بأرضنا المقدسة التي داسها الرب ذات يوم، ومشى عليها وشرب الخمرة في قانا تلك. ثوار يا ستي لأننا على رغم البؤس والإحتلال والفساد، وضيق العيش نخترع فرحنا ونقطف أحلامنا، ونجلس في مغارة يسوع على التبن والقش وكأننا نفترش أغلا السجاد في أعظم القصور. ثوار يا ستي لأن قصرنا الكبير إيماننا، وإيماننا وحياتك ما تزعزع يومًا، حتى ولو خذلنا بابا نويل ولم يأتنا بالهدايا الموعودة، لكني ما سكتّ وأرسلت له بريدًا مدججًا بزعلي، وسأقرأ عليكِ ستي رسالتي الى ختيار الحلم ذاك علها في الـ2023 تصبح حقيقة… بلكي.

قعود قعود بابا نويل الرسالة طويلة. أترك الأوراق جانبًا فقد أصبحنا من جماعة اللابتوب، ذاك الشيء الذي طلبته منك ذات مرّة وما لبيت الطلب، وقلت في نفسي شو بخيل هالزلمي، لكن القصة أنك تريد أن نبقى على عتيقنا ليبقى لنا حنين الورق، وكي لا تموت وظيفة البوسطجي المسكين.

إجلس بابا نويل واسترخِ، فأنت تعب بعد رحلتك الشاقة الى دواخين العالم، ترشرش أحلام الطفولة على مَن لا يزال بامكانهم أن يحلموا بك. إجلس واسترخِ وخدلك نَفَس أركيلة، وإشرب كأسا وافتح الـ emails المتأخر عليك، ولن تجد فيه إلا رسائل الجوع والقهر والغضب. ستقرأ طلبا بربطة خبز، وآخر بدواء لأمي أو أبي، وآخر بالمازوت أو الحطب للتدفئة. ستقرأ في بريدك المتأخر عنك ما لم تقرأه بزمانك كله، ستقرأ وجع الناس، خوفهم على مصيرهم، خوفهم على أرضهم. ستقرأ بين حروف بريدك المتأخر يأس شعب قتله حكامه الفاسدون وفجّره المحتلون. ستقرأ ثورة نائمة في عبّ الغيم لم تنزل بعد، لم تتفجّر. ستقرأ أخطر ما حصل لنا في الجحيم بابا نويل، ثقافة اليأس…لا، لا تحزن، بلكي السنة الجايي تكون أفضل ولا تضطر أن تحمل إلينا لائحة الهدايا الحزينة تلك.

بخاطرك بابا نويل، وآمل ألا تنقطع الطرقات أمام بريد الغيم، وأن تصلك رسالتي المفخخة بالغضب تلك وأنت لا تحب إلا حكايات الأحلام الوردية، لكن أعدك أن نبقى على قيد الأمل والإيمان بلكي نحتفل السنة المقبلة معًا بعودة الحلم الى أرض الجحيم الحالي، ونقطف الميلاد قطفة قطفة من بستان النجوم… بلكي.

للإشتراك في “المسيرة” Online

زر الذهاب إلى الأعلى