حين ” تشتغل” الدولة عند الدويلة… “على القطعة”

يقع انفجار في إحدى قرى الجنوب، تُمنَع الأجهزة الأمنية الرسمية من التدخل للتحقيق ، و”التقرير الرسمي” الوحيد عن الإنفجار يصدر عن حركة “أمل”، ومفاده أن سبب الانفجار قوارير أوكسيجين كانت مخبأة في حال احتاج إليها أبناء البلدة، بسبب جائحة كورونا، وعلى الرأي العام أن “يُصدِّق” رواية حركة “أمل”.

تقع اشتباكات ومطاردات في الضاحية الجنوبية، فيلجأ الحزب وحركة “أمل” إلى الدولة لمعالجة الاشتباكات، واللجوء إلى الدولة هو عمليًا إعطاؤها “الضوء الأخضر” الذي من دونه لا تستطيع أجهزة الدولة الدخول إلى الضاحية والتدخل، والبيان الأخير الصادر عن الحزب وأمل هو أصدق برهان. ومن وحي البيان:

“اتفاق بين قيادتي أمل والحزب والجيش والقوى الأمنية على انتشار دوريات أمنية مشددة للجيش

والقوى الأمنية الأخرى وإقامة حواجز ثابتة في الضاحية بعد ازدياد حالات السرقة و النشل”.

لاحظوا بداية البيان: “اتفاق”، فلولا الاتفاق، ممنوعٌ على القوى الأمنية التدخل!

عمليًا، ما يجري هو التالي:

ممنوع الاقتراب من “الدويلة” إلا حين يَأذن أركانها:

تدخّلت الدولة في الضاحية حين “أذنَت لها الدويلة”.

في الجنوب لم تأذن الدويلة للدولة للتحقيق في الانفجار، فبقي الانفجار من دون تحقيق.

في الدخول إلى الضاحية، تحدد الدويلة للدولة ما يحق لها أن تقوم به:

توقيف السارقين مسموح، توقيف المجرمين والمطلومين بجرائم قتل، ممنوع.

الدولة “تشتغل” عند الدويلة “على القطعة”.

لكن “الدويلة” في واد، وأبناء الضاحية في واد آخر. أبناء الضاحية يعتبرون أن تدهور الأوضاع يتحمل مسؤوليته الحزب وأمل، فلدى هذا الثنائي لجان أمنية مشتركة لا تتيح لأجهزة الدولة التدخل، لأن لها الكلمة الفصل، هذا ما يجعل الأمن في الضاحية “أمناً بالتراضي”، وقد اختبر لبنان الأمن بالتراضي الذي أظهر فشله. فالعلاقات المعقدة بين الحزب والحركة والعشائر، تجعل أي محاولة لمعالجة الفلتان بمثابة القنبلة الموقوتة التي تفجر الوضع، لكن التساهل في ضبط الوضع حوَّل الضاحية إلى “بؤرة فلتان” ما جعل الثنائي يستنجد بالدولة التي “تُرغَم” على التحرك بتوقيت الثنائي وليس بتوقيت مناشدات الناس لإنقاذهم من الفلتان.

هكذا تكون “الدولة” في خدمة “الدويلة”.

زر الذهاب إلى الأعلى