قتل قادة في الحزب وحلفائه بمقراتهم وسياراتهم.. اختراق أمني أم تفوق تقني؟

وسّعت إسرائيل ميدان مواجهتها مع حماس والحزب ومن خلفهما إيران، حيث تخطّت تبادل قصف المواقع والبنى التحتية إلى عمليات الاغتيال، ناقلة الصراع إلى مرحلة جديدة، حيث نجحت خلال مدة زمنية قصيرة باستهداف قادة لما يعرف بـ”محور الممانعة”، عبر عمليات عسكرية وأمنية، تجاوزت حدود غزة وجنوبي لبنان إلى سوريا ومعقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت.

فمن دون تهديد، بدأت عمليات اغتيال مسؤولين في الحزب وإيران، وذلك على عكس العمليات التي طالت قادة حماس، حيث سبق أن توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ورئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك” رونين بار، ووزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بتصفيتهم “في كل مكان بالعالم”.

وتطرح الاستهدافات المباشرة علامات استفهام بشأن الوسائل التي تمكّن إسرائيل من ضرب أهدافها، وفيما إن كان ذلك مرتبط بقدراتها التقنية، أم بثغرات أمنية في صفوف أعدائها، استغلتها لتنفيذ عملياتها.

مرحلة جديدة

من اغتيال القيادي في الحرس الثوري الإيراني، رضى موسوي، في دمشق في 26 ديسمبر، إلى مقتل القيادي في حماس صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية ببيروت في 2 يناير، فمصرع “القائد” وسام طويل، الملقب بـ”الحاج جواد”، كما وصفه الحزب في بيان نعيه، في بلدته الجنوبية خربة سلم يوم، الإثنين، هزّت إسرائيل بعملياتها إيران وأذرعها في المنطقة.

لكن لجوء إسرائيل إلى مرحلة جديدة في الحرب التي أعلنتها على حماس في السابع من أكتوبر وشارك فيها الحزب كـ”مساند” للأخيرة، كانت قد بدأت في نوفمبر الماضي، حيث استهدفت في الواحد والعشرين من ذلك الشهر، سيارة تقل القيادي في كتائب القسام، خليل الخراز، و3 شبان من مدينة طرابلس شمالي لبنان كانوا برفقته، بمسيرة في منطقة الشعيتية قضاء صور.

وفي اليوم التالي، قتل مسؤولون من وحدة الرضوان التابعة للحزب، من بينهم نجل رئيس كتلته البرلمانية، النائب محمد رعد، في غارة استهدفت منزلاً في بلدة بيت ياحون جنوبي لبنان، أثناء تواجدهم داخله.

وعبر “صواريخ موجهة” أطلقتها طائرة حربية، قتل العاروري وآخرون، من بينهم اثنان من قياديي حماس و4 من كوادرها، في ضربة مباشرة حمل لبنان إسرائيل مسؤولية شنها، خلال تواجدهم في مكتب للحركة بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية.

وأمس الإثنين، أعلن الحزب مقتل طويل، حيث تم “استهدافه أثناء تواجده داخل سيارته”، بحسب ما ذكرت وكالة “فرانس برس”، في حين قال أحد المصادر الأمنية لوكالة “رويترز”، إن “هذه ضربة مؤلمة للغاية”.

واعترف وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بوقوف بلاده خلف العملية، خلال مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية.

ومن النادر أن تعترف إسرائيل بعمليات اغتيال في الخارج. وبحسب ما أورد الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي، روين بيرغمان، في كتاب “انهض واقتل أولاً”، فقد نفذت بلاده منذ الحرب العالمية الثانية أكثر من 2700 عملية من هذا النوع.

وتشهد المنطقة الحدودية في جنوب لبنان تصعيداً عسكرياً متفاقماً بين إسرائيل والحزب، منذ أن شنت حركة حماس في السابع من أكتوبر هجوماً غير مسبوق على إسرائيل، التي ترد بقصف مدمر وعملية برية في قطاع غزة المحاصر.

هل الحزب مخترق؟

“في كل الحروب، يستهدف القادة المتقاتلون بعضهم البعض”، كما يذكر العميد المتقاعد خليل الحلو، لموقع الحرة، مضيفاً: “إذا سنحت الفرصة لقادة الحزب وحماس، لن يتوانوا عن استهداف قادة إسرائيليين”.

وكذلك يقول العميد المتقاعد، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، الدكتور هشام جابر، لموقع الحرة، موضحا أن “لجوء إسرائيل إلى عمليات الاغتيال، كان متوقعاً نتيجة فشلها في حرب غزة”.

وعن تمكّن إسرائيل من تحديد مكان المستهدفين، يجيب الحلو: “من المؤكد أنها بدأت مراقبتهم منذ مدة، وليس ضرورياً أن يكون ذلك نتيجة خرق داخلي لصفوف الحزب، فالإمكانيات الأمنية الإسرائيلية متقدمة جداً، وتشمل الوسائل الإلكترونية المتطورة، والطائرات المسيرة، والطيران الاستطلاعي، والأقمار الاصطناعية، وأجهزة الرصد التي يعلن الحزب تدميرها على الحدود”.

لكن الحلو يشدد على أنه “حتى لو دمّر الحزب الكاميرات وأجهزة الاستشعار على الأرض، فإن أجهزة المراقبة في الطائرات المسيرة ومناطيد الاستطلاع والأقمار الاصطناعية تحل مكانها، وهذا النوع من التقنيات تبيعه إسرائيل إلى عدة دول، كالهند وألمانيا، ودون أن ينفي ذلك وجود مخبرين لها على الأرض”.

من جانبه، يرى الجابر أنه بمرور الزمن “تطورت وسائل وطرق الاغتيال.. وهي تتم إما من خلال عملية عسكرية كتلك التي استهدفت العاروري، أو عبر عملية أمنية استخباراتية، أي بكمين مسلح أو تفخيخ سيارة أو عبوة ناسفة”.

ويشرح جابر: “في تسعينيات القرن الماضي، اغتيل الأمين العام للحزب، عباس الموسوي، بواسطة طائرة حربية، لكن اليوم تلعب الطائرات المسيرة هذا الدور، إذ تعتبر أسهل وسيلة لإنجاز هذه المهمة، حيث لا يستغرق تحديد الهدف واستهدافه سوى نصف ساعة”.

ويسبق عملية الاغتيال، بحسب جابر، “مراقبة الشخص المستهدف بواسطة أجهزة متطورة وعملاء على الأرض، كما حصل في بيت ياحون حين استهدف منزلاً كان مركزاً لعقد اجتماعات لمسؤولين في الحزب، من وقت إلى آخر ولفترة قصيرة، حيث أخبر أحد العملاء الإسرائيليين بتواجد من بداخله”، مؤكداً “اختراق الحزب من قبل العملاء ليس كبيراً، بل ضمن الحدود الطبيعية”.

ويتابع: “حتماً هناك عملاء، لكن في ذات الوقت بات تحديد مكان أي شخص متاحاً للجميع، من خلال الهواتف وشرائح خاصة، وعلى المسؤولين أخذ حذرهم وتبديل هواتفهم بين الحين والآخر”.

وكان الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، قد اعتبر اغتيال العاروري “خرقا كبيرا وخطير”، مهدداً بأن “الرد آت لا محالة”، فيما قدّمت الحكومة اللبنانية شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن العملية.

واعتبر نصر الله في كلمة متلفزة، الجمعة، أن “الحزب لا يمكنه أن يصمت حيال خرق بهذا المستوى”، وأن “عدم الرد يجعل كل لبنان مكشوفاً”.

وفي إطار “الرد الأولي” على اغتيال العاروري، كما وصف الحزب في بيان، قصف الأخير، السبت، قاعدة ميرون الإسرائيلية للمراقبة الجوية، على قمة جبل الجرمق، بأكثر من 62 صاروخاً”.

تقنيات كبيرة

بحسب العميد المتقاعد، ناجي ملاعب، يتطلب قصف الحزب لإسرائيل “تنقل مقاتليه وتحضير الصواريخ، وكل ذلك يجري تحت مراقبة جوية من قبل إسرائيل عبر الأقمار الاصطناعية والمسيرات ومنطاد أدخل حديثاً إلى الخدمة”.

ودخل منطاد التجسس المتطور “سكاي ديو” إلى الخدمة، الأحد، كما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، وذلك بعد عام ونصف العام من الاستعداد للخدمة التشغيلية.

ويستخدم المنطاد لأغراض عسكرية، وفي مهام تجسسية ودفاعية للمراقبة وجمع المعلومات، ويحلق على ارتفاعات شاهقة، مما يمكّن الجيش الإسرائيلي من مراقبة مئات الكيلومترات.

ويوضح ملاعب أن التقنيات الإسرائيلية كبيرة، مردفا في حديثه إلى موقع الحرة: “عندما يوعز الحزب لسكان البلدات الجنوبية التي تنتشر فيها قوات الطوارئ الدولية بعزل كاميرات المراقبة المثبتة في المنازل والشوارع عن الإنترنت، فهذا يعني أنه يخشى من أن تستفيد إسرائيل منها”.

ويشدد على أنه هناك عدة أهداف تصبو إسرائيل إلى تحقيقها من عودتها إلى تنفيذ عمليات اغتيال، تشمل “إحباط الروح المعنوية لحماس والحزب، واستدراج الأخير للرد لإعطائها مبررا لطلب الدعم الأميركي الذي ما زال موجوداً في المنطقة، ويتمثل في البوارج الحربية، والقاعدة الأميركية في البحرين”.

ويضيف: “تحاول الولايات المتحدة تجنب الانجرار إلى جبهة جديدة تحارب فيها مباشرة، لذلك سحبت حاملة طائراتها من البحر المتوسط، كرسالة توضيح لموقفها لإسرائيل وإيران”، معتبراً إشارة وزير الدفاع الإسرائيلي إلى أن بلاده تقاتل على 6 جبهات “تطور خطير، وقد يكون ضمن استراتيجية تتبعها إسرائيل خارج غزة، ولن تستطيع وحدها القتال في تلك الجبهات، مما يستجدي تدخل أميركي”.

وفيما يتعلق بقادة حماس، أشارت صحيفة “إسرائيل هيوم”، إلى أهمية “التخلص منهم” بالنسبة لإسرائيل، قائلة إن” تجفيف البنية التحتية الاقتصادية والسياسية لحماس في الخارج، لا يقل أهمية عن تفكيك ألوية الجناح العسكري في القطاع”.

“حسابات خاطئة للحزب”

التهديد الإسرائيلي وصل ذروته، مع تصريح لوزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، عقب اغتيال موسوي، جاء فيه: “على الأمين العام للحزب أن يفهم أنه التالي”.

من جانبه، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي: “إن قواتنا على مستوى عالٍ جداً من الاستعداد على الجبهة الشمالية مع لبنان، وتمت الموافقة على خطط، ومستعدون للهجوم إذا تطلب الأمر”.

المشكلة الكبرى، كما يقول الحلو، هي أن “المقربين من الحزب لديهم قناعة بأن إسرائيل لن تقوم بعملية عسكرية في لبنان، بحجة عدم قدرتها على ذلك وانتفاء مصلحتها”، مضيفا: “هذه تحليلات عديمة القيمة وحسابات خاطئة قد تؤدي إلى ردة فعل إسرائيلية كبيرة جداً، تفوق تداعيات حرب تموز (يوليو) 2006”.

وما يشير إليه الحلو يؤكده، حسب قوله، “مراسلو وكالات أجنبية كبرى في إسرائيل، حيث يتحدثون عن ضغوط يتعرض لها نتانياهو من اليمين ومن سكان الشمال للقيام بعملية برية في لبنان، وبعد الصفعة التي تلقاها الجيش الإسرائيلي في عملية طوفان الأقصى، يريد أن يستعيد قوة ردعه، وهو يمتلك الإمكانيات والدعم الغربي”.

ويختم الحلو بالقول: “حتى إن كانت دول الغرب معارضة لإقدامه على ذلك، فإنها لن تتخلى عن تحالفها معه، وبالتالي مخاطر الوصول إلى اجتياح حقيقية، وعمليات الاغتيال جزء مما يحصل، لكن ليست هي ما سيؤدي إلى ذلك”.

زر الذهاب إلى الأعلى