بقلم مارون مارون: للإستقالة الطوعية أو الإقالة الحتمية

لأن الخطيئة كبيرة وبحجم وطن، ولأن مَن ارتكبها هم كبار القوم ومن المتقدّمين في الكنيسة والطائفة والمجتمع، ولهم في قلوبنا مكانة عميقة وفي عقولنا مساحة فسيحة، ولهم أيضاً مواقع كهنوتية رفيعة ومرموقة، ولأن أبرشية صيدا ودير القمر للموارنة هي من كبرى الأبرشيات في إنطاكية وسائر المشرق، ولها في التاريخ المجيد صفحات مُشرقة وجذور عميقة، ولأن الفعل يرقى إلى مستوى الخيبة، لا بل إلى مستوى جريمة ضد كرامة الإنسان والإنسانية، ولأننا نعيش في انهيار تسبّب به بدرجة أولى السلاح غير الشرعي الذي يستبيح مؤسسات الدولة ويقوّضها، وعلى الرغم من ذلك قدّموا له الطاعة عن غير حق ومنحوه صكَ براءة على ارتكاباته وجرائمه، ولأننا أبناء هذه الأبرشية التي طالما اعتبرناها حكيمة بأفعالها وغير خاضعة إلا لخالقها، ولأجلها حملنا دمنا على أكفّنا، وأكفاننا على أكتافنا للدفاع عن أهلها وترابها وحضورها وتاريخها، ولنا في ساحات مجدها صولات وجولات وبطولات، ونعتبر أن لنا فيها صلة ارتباط لا يمحوها الزمن ولا تُلغيها ممارسات غير مدروسة ومتسرّعة، ولأن العتب على قدر المحبّة، لكل ذلك ولسواه قد كتبنا ما كتبناه، وهو ليس سوى رأس جبل الجليد، وما أدراكم ما يختزن هذا الجبل في عمقه وحتى قعره…

وبعد، لا بد من الإنتقال من وصف المشهد ومن شَرح التداعيات الى خطوات عمليّة وتحمّل المسؤوليات، وصولاً الى التوضيح والإعتذار، وربما إلى إقالة أو استقالة المسؤول عن التشجيع للقيام بهذه الخطوة، سواء على مستوى زيارة أحد أركان الممانعة الذي يُقفل مجلس النوّاب ويمنع انتخاب رئيس للموقع الماروني الأول، أو على مستوى زيارة مسؤول مليشياوي في صيدا، أو على مستوى أم الإرتكابات والمقصود بها زيارة مَعلم الحروب الدائمة والقتل والتفجير والموت في مليتا، وفي السياق فقد عَلِمنا من مصادر كنسيّة، ربما هي المصادر ذاتها التي استندت إليها الزميلة نوال نصر في مقالتها عبر صحيفة نداء الوطن، بأن الأب عبدو أبو كسم والذي يشغل موقع النائب الأسقفي الخاص لشؤون التواصل والإعلام والعلاقات العامة في أبرشية صيدا ودير القمر للطائفة المارونية هو الذي شجّع بقوّة على اعتماد مثل هذه الخطوات، وقد مهّد لها واعتبرها إنجازاً تاريخياً.

بكلام آخر، فإن الأب عبدو أبو كسم هو المسؤول المباشر عن هذا الملف، وبالتالي عن هذه الحركة غير المُبرّرة وغير المفهومة حتى الساعة، فإذا تم الأخذ برأيه كونه مسؤول العلاقات العامة وتندرج هذه الملفات ضمن مهامه وتحت إشرافه، يكون هو المُرتكب والجاني ويتحمّل المسؤولية، مسؤولية الشرخ الذي وقع بين الراعي والرعية، وعليه أن يبادر إلى تقديم استقالته طوعاً، وإلا إقالته. وإذا لم يكن هو المُشجّع على هذه الخطوات باتجاه مليتا وغيرها، فعليه أيضاً تقع المسؤولية لأن رأيه لم يكون راجحاً وقد تم تَخطّيه، وعليه يقع أيضاً واجب الإستقالة.

نعم، لا بد من تحمّل المسؤولية وليس تحميلها لمجهول، وبالتالي الإفصاح عن كل الحقائق وتقديم الإعتذار، لا بل لإعلان التوبة ليُبنى على الشيء مُقتضاه، علّ المياه تعود إلى مجاريها، والرعية إلى راعيها…

وللتذكير فقط، فإن زمن “أبو عبدو”، وليس زمن “الأب عبدو”، وفي عز سطوته وجبروته ووصايته قد أسقطناه وأخرجناه، فيما بقينا نحن أسياداً، أعزاءً وأحراراً… والعبرة لمن اعتبر… والسلام.

زر الذهاب إلى الأعلى