4 نيسان موعد السجناء مع المجاعة… جثّة ووفيّات داخل سجن رومية؟

لم تمنع أسوار سجن رومية العالية من تسلّل تداعياتأزمة البلد الاقتصادية وإفلاس الدولة إلى داخل السجون، ممّا ضاعف من حجم الاهتراءالموجود أصلاً والإهمال، وحجم المعاناة لدى المساجين.

استعصاء طبّيّ حتّى الموت؟

قمّة الشدّة والعُسر، تمثلت بوفاة نحو 8 أشخاص في غضونسنة، نتيجة الإهمال الطبّي، وغياب الأدوية المزمنة والمستعصية، والعلاجاتالضرورية، وهم بالأسماء كما وردت لـ”النهار”: ميسّر عبد الكريم حموش،غازي عبد الحسن دْبوق، ايلي عزيز مسلّم، صالح حيدر، رياض شريف حرَيْراتي، كُليْبفياض دحويش، وعبدالله الكريم أحمد مَرْعدها، أيمن شقير. كما علمنا أن آخر من آلالحسن شنق نفسه في المبنى “جيم”.

موتُ هؤلاء قد لا يكون سببه فقط فقدان الأدويةلحالاتهم المرضية، إنّما للإهمال أيضاً دور، بسبب امتناع أو عدم قدرة السجناء علىرؤية الطبيب المعاين داخل السجن، والسبب كما علمت “النهار” من مصادرخارج السجن هو الإهمال وعدم وجود مراقبة ومتابعة لخدمة هؤلاء الأطباء، علما أنّهناك طبيبين متعاقدين يُفترض وجودهما داخل السجن في أوقات مختلفة، لتلقّي مراجعاتالسجناء.

هذه المعلومات، تقابلها أخرى، يؤكّدها مصدر مطّلععلى الملفّ أنّه بالإضافة إلى كشف الأطباء وطبيب المستشفى، كلّف رئيس الحكومة قوىالامن الداخلي ولجنة داخل المديرية تُعنى بحقوق الانسان إضافة إلى أطباء مستقلينبالتحقيق بكل حالات الوفيات، وقد تم وضع تقرير مفصّل بكل حالة وفاة، ولم يتبيّنوجود إهمال، بل أتت الوفيات نتيجة الأمراض المزمنة والمستعصية التي كان يعاني منهابعض السجناء كالسرطان والسكري وغيره.

ويقرّ المصدر بوجود نقص في الأدوية، فهذا أمرموجود داخل السجن وخارجه، لكن إدارة السجن تعمل بشتى الوسائل لتأمين الأدويةللمرضى، لكنّ المشكلة الإضافية تكمن برفض السجناء الأدوية البديلة التي يتمتأمينها، ويصرون على الدواء الأصيل، وهذه مشكلة إضافية تساهم بتعريض حياتهم للخطر،في حين أن الأدوية الأصيلة تكون غير متوفرة في أحيان كثيرة.

ولفت في السياق، إلى مبادرة قامت بها وزارة الصحة،إذ أمّنت منذ سنة تقريباً مركز رعاية أولية في سجن رومية، بهدف تأمين الأدويةللسجناء.

بالموازاة، صعوبة الإجراءات تعرّض حياة السجناءللخطر. بمعنى أنّ من تتطلّب حالته الانتقال إلى المستشفى، مضطر للانتظار نحو 4 إلى5 ساعات ريثما يتم إرسال برقية والموافقة عليها بهذا الشأن، ومن ثم ينتظر ساعتينإضافيتين كي يتم تأمين ما يُسمى بـ”السوق”، وهي الآلية المخصصة بنقلالسجناء. وهذا ما أدى إلى وفاة العديد من المساجين. وقد مرّ على هذه الحال حواليسنة.

ويُضاف إلى صعوبة مقابلة أطباء السجن، صعوبةالحصول على الوصفة الطبية، إلّا بعد اعتماد أساليب عنفية، فيقوم السجين مثلاًبـ”تشطيب” نفسه، أو الإضراب عن الطعام، للحصول على الوصفة. مع العلم،أنّ الوصفة الطبية توسَم بعبارة “تُستدرك على نفقة ذويه”، وهذا يعني أنيكون شراء الدواء من مسؤولية الأهل وعلى نفقتهم.

اعتمادات لمتعهّدي المأكولات

الإهمال الطبي، يوازيه عجز في جودة الطعام، إذبحسب المعلومات، فإن الشركة المتعهدة تأمين الطعام لسجن رومية، لها أكثر من 57مليار ليرة لبنانية في عهدة الدولة، وهي ستتوقف في 4 نيسان المقبل عن تزويد سجنرومية بالطعام إلى حين الحصول على مستحقاتها، ما يطرح سؤالاً مهماً اليوم، كيفسيتم إطعام آلاف السجناء في رومية والسجون الأخرى؟ وألم يحن الوقت لكي يكون هناكحلول جذرية للسجون في لبنان؟

المصدر المطلّع، يؤكد صحة المعلومات، ويشير إلى أنالطابة في ملعب مجلس الوزراء، المطلوب منه أن يوافق على مرسوم نقل اعتماد لتأمينالأموال للمتعهدين. علماً أنها ليست المرة الأولى التي يضغط فيها المتعهدون علىالدولة لتحصيل مكتسباتهم.

الأمراض

وفي حين تنتشر في السجن حالات “جَرَب”،علاجها مؤمّن بحسب السجناء أنفسهم، إلّا أنّ الازدحام يؤثّر أيضاً في تفشّي الأمراض،وإثقال كاهل الدولة وإدارة السجن. ففي غرفة تتّسع لشخصين مثلاً بات عدد النزلاءفيها بين 6 إلى 7 أشخاص. والنظارة التي تتسع لنحو 50 شخصاً يتواجد فيها أكثر من300 شخص.

إلّا أنّ المصدر المطلّع يؤكّد عدم وجود تفشٍّلحالات “الجّرّب” اذا وجدت أو أيّ مرض جلدي آخر، فالأدوية أصلاً متوفرةلهذا النوع من الأمراض. ويعتبر أنه نتيجة الاكتظاظ الحاصل في السجون من الطبيعي حدوثأمراض جلدية، لكنها مضبوطة وتخضع للمراقبة بشكل مستمر.

الجلسات القضائيّة

أمّا في ما يتعلق بالجلسات القضائية، فهي إمامتوقفة بفعل عوامل خارجية طرأت على البلد كأزمة كورونا أو الإضرابات، وإما بفعلامتناع العسكر الموجودين في السجن عن نقل المساجين إلى المحاكم، بسبب، إما شحّالمحروقات، أو عدم وجود آليات وغياب الصيانة، أو غياب العناصر الكافية. والنتيجة،إطالة مكوث السجين داخل السجن، لمدة أطول بكثير من مدة حكمه وسجنه.

وفي المسار القانوني، ينفي أحد السجناء من داخلالسجن وجود إخلاءات سبيل وتسهيل للمعاملات كما يُقال. ويكشف في اتصال مع”النهار” عن أشخاص مرّت على وجودهم في السجن سنتان وأكثر ولم تصدر بحقهمأحكام قضائية، فيما قانوناً، لا يستطيع القاضي توقيف الشخص لأكثر من سنة.

ويأسف لأنّ المعايير السياسية أو الطائفية أوالحزبية لها تأثيرها داخل السجن، فيتمنى لو أنه كان فرداً من “جبهةالنصرة” أو “داعش” أو موقوفي الضنية ومجدل عنجر وغيرهم من قتلةالجيش والمعتدين على الدولة، لكان أصبح حراً، أو أقلّه صدرت أحكام عفو في حقّه.

جمعيّات إنسانيّة مشبوهة؟

ويبدي “السجين” عتباً على الجمعيات التيبحسب وصفه، “تشحد” باسم السجناء من دون تقديم مساعدات، داعياً إيّاهاإلى العمل أكثر لتأمين وسائل الراحة للسجناء.

ويكشف لـ”النهار” عن شخص يُدعى ضُمّرالمقداد، وهو يستقدم معونات باسم نزلاء سجن رومية، من دون أن يوزّعها عليهم. وبحسب”السجين” من مبنى المحكومين يعاون المقداد كلّ من رائدة الصلح، هبةالمولى، ومنال صوان. وعُلم أنّ المقداد يقوم بزيارات متكررة إلى قائد السرية فيسجن رومية.

المصدر المطلّع، يؤكد في سياق حديثه مع”النهار” أن تأمين مستلزمات الصحة والطبابة والاستشفاء لنحو 8300 سجينفي لبنان، أمر ليس بالسهل، رغم أن منظمات عدة كالصليب الأحمر، ومنظمة الصحة العالميةوغيرها، تقدّم خدماتها الطبية والاستشفائية، لكن، من الضروري التنبّه إلى أن مشكلةالصحة هي مشكلة شاملة في لبنان، وليس محصورة فقط بسجن رومية أو أيّ سجن من سجونلبنان.

سعادة وطرح “اكتفاء المدّة”

عضو الهيئة الإدارية لجمعية Nusroto جان سعادة، يؤكد أن وضع السجون مذر ويعاني من اكتظاظ. لا طبابة،لا استشفاء ولا أدوية، والطعام سيّئ. ويشدد على أنّ الحلّ يكون بتقليص عددالسجناء، عبر بتّ القضاة بملفات الجنح بـ”اكتفاء مدة”. بمعنى من مرّ علىسجنه نحو 6 أشهر أو سنة أو أكثر، ولم تتم محاكمته، يُفرج عنه بـ”اكتفاءمدة”.

وبحسب سعادة، هذا يساعد على تخفيف الاكتظاظوالكلفة على مستوى الأكل والمازوت والطبابة والأدوية، مقدّراً عدد من يخرجون”اكتفاء مدة” اذا طُبّق بنحو ألفي سجين. مع الإشارة هنا إلى أن اقتراحقانون السنة السجنية الجديد 6 أشهر الذي تقدم به الوزير بسام مولوي، لم يتمّ البتّبه بعد.

ويضيف سعادة: “حتى من يوجد في حقهم غراماتمالية، يجب على الدولة إعفاؤهم منها، خصوصاً من قضوا محكوميتهم”، معتبراً أنّقانون السجون الصادر عام 1949 والذي تُطبّق أحكامه اليوم، يجب أن يُعدّل لكييتماشى مع الزمن الذي نحن فيه”.

وينبّه إلى أنّ حالة السجناء النفسية سيئة جدّاً،بسبب امتناع ذويهم عن زيارتهم نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، وغلاءالمعيشة والمحروقات والمواد الغذائية.

وردّاً على سؤال عن دور الجمعيات في تحسين وضعالسجناء، يجيب: “الجمعيات المعنية بالسجون تنسّق مع بعضها ومع قوى الأمنالداخلي لتأمين متطلبات السجناء قدر المستطاع، لكن يجب الانتباه إلى أن هذهالجمعيات لا يمكنها أن تحلّ محل الدولة”.

سعادة الذي يعتبر أن التأخر في المحاكمات هو منمسؤولية القضاء، يرى أن ما يحصل في السجون هو انعكاس للأزمة التي يمرّ بها لبنان،منوّهاً بالجهود التي تقوم بها وزارة الداخلية والمديرية العامة لقوى الامنالداخلي، ولافتاً إلى أن انعدام توفر الأموال لتحسين الوضع الداخلي في السجن يعودلعدم رصد وزارة المالية اعتمادات نتيجة الوضع الاقتصادي المتدهور.

حلول خجولة

عتمة أزمة سجن رومية، سادها ضوء خافت، تمثّلبتأمين قوى الأمن الداخلي مولّدين جديدين بدآ بتوليد الطاقة الكهربائية للسجن، ماسيؤمّن ارتفاعاً في ساعات التغذية يومياً، علماً أن مشروع نظام طاقة شمسية بقيمة100 ألف يورو يتم تجهيزه في رومية من قبل الوكالة الإيطالية للتنمية والتعاون وباتفي مرحلته النهائية.

كما علمت “النهار”، أنّ مستشار وزيرالداخلية المسؤول عن ملف السجون، أَمَر بشكل جازم بحلحلة مسألة الوصفة الطبية.

لقاء آذار

هذا، ومن المقرّر أن يكون هناك لقاء حواريّ في 30آذار الحاليّ في معهد قوى الأمن الداخلي في عرمون، تنظمه المديرية العامة لقوىالأمن الداخلي بالتعاون مع المشروع الممول من الاتّحاد الأوروبي “تعزيزالشرطة المجتمعية في لبنان”، تحت عنوان نظام السجون في لبنان “التحدياتوسبل المضي قدماً”، يتناول التحدّيات والمشاكل التي تعاني منها السجوناللبنانية وأبرز الحلول لها.

زر الذهاب إلى الأعلى