الفدرالية.. الأمل الوحيد للبنان واللبنانيين

وفقاً لحكومة تصريف الأعمال تم تأجيل الانتخابات البلدية المقبلة في لبنان إلى شهر أيار بسبب نقص المواد والموارد، وعلى الرغم من أن الوضع يتفاقم بشكل كبير، فإنّ الأمر مشابه لما حدث في عام 2016، عندما انتشرت التكهنات حول ما إذا كانت الانتخابات ستجرى أم لا، وفي غياب رئيس جديد ورئيس وزراء مكلف، يتساءل كثيرون عما إذا كان الفراغ نفسه سيحدث مع البلديات والمخاتير، مع أنّ اللبنانيون لا ينتظرون أي تغيير قد ينتج عن هذه الانتخابات فقد فاز اليأس والسخرية بجميع الانتخابات القادمة.

يدرك اللبنانيون تمامًا أن أي انتخابات جديدة أو رئيس جديد أو رئيس حكومة أو رئيس بلدية أو مختار لن يغيّر مسار بلدهم، فهم لا يتوقعون التغيير ويعتمدون على أنفسهم أكثر فأكثر للاستمرار في حياتهم اليومية دون التخطيط لأي مستقبل إيجابي.

وفي الواقع بات لبنان بحاجة إلى نظام سياسي جديد، ويجب طرح دستور والتصويت عليه في أقرب وقت ممكن، لا أن يتمّ استبدال سياسي مخيب للآمال بآخر.

وعلى الرغم من أنّ الانتخابات البلدية هي الأكثر أهمية، إلا أنها عادة ما يتم تجاهلها من قبل الناخبين في جميع أنحاء العالم، فهي تؤثر بشكل كبير على المواطنين ومكان إقامتهم بشكل مباشر.

وبالنسبة للبنان، يجب وضع التركيز في مكان آخر، أي على طرح دستور جديد، والذي يجب أن يكون موضوعًا للاستفتاء، أي التصويت لتغيير النظام السياسي الحالي، فمن المستحيل تغيير البلد وخلق مستقبل أفضل بينما نحافظ على هذا النظام السياسي المعطل والفاسد.

وكيف يمكن لهذا الأمر أن ينجح؟ وكيف يمكن للبنان أن يقدم نظامًا سياسيًا جديدًا؟ وكيف يجب أن يبدو الانتقال السياسي والأمني؟ والأهم من ذلك، ما الذي يمكن أن يسمح بمثل هذا التحول؟ وعلاوة على ذلك، كيف سيبدو هذا الدستور الجديد؟ أعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة هي بالضبط مكان البداية.

ويتعلق الأمر بتخيل دولة جديدة وكتابة دستور جديد.

ولذلك كله، لبنان لا يحتاج إلى حشود كبيرة واحتجاجات وهتافات تتلاشى وتنتهي بمجرد انتهاء التجمعات، بل يحتاج إلى أن إعادة ابتكار وبناء نفسه، يحتاج إلى عمل شاق.

وإذا ما وضعنا السياسة جانباً للحظة، نجد أن معظم اللبنانيين يعتقدون أنّهم لا يستطيعون تغيير أي شيء، وهذا ليس صحيحًا، فهم لا يمكنهم تغيير أي شيء في النظام الحالي نعم، ولكن يمكنهم طرح نظام جديد، وفي ذلك فرق كبير.

فاليوم من يخوض الغمار السياسي من الطموحين الذين يريدون الخير للبلاد يتم سحقه وإفساده، ولذلك نحن بحاجة إلى البدء بصياغة نظام جديد ومهما بدت هذه الطريقة سخيفة في وجه التحديات الحالية للحياة اليومية، إلّا أنّها الطريقة الوحيدة.

إنّ طرح دستور جديد هو البذرة أو خارطة الطريق التي نحتاجها للمضي قدمًا، لذلك فلندع الناس يتخيلون ويحلمون مرة أخرى بما يمكن أن يكون بلدهم وكيف ستكون حياتهم، فلندعهم يتأملون.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يجب أن يتكاتف اللبنانيون جميعاً، من محامين وعلماء وكتّاب وقضاة واقتصاديين وفنانين ورجال أعمال، من جميع الطوائف، لأن لديهم القدرة على إحداث هذا التغيير.

ويجب استبعاد أي مسؤول حكومي حالي أو سابق، ويجب على هذه المجموعة أن تسأل نفسها، ما هو لبنان؟ وما هو موقفه؟ وكيف يجب الحفاظ عليه؟ كيف يمكن توفير الحماية للبلاد وتفادي تقسيمها بسبب التغييرات الجيوسياسية؟ باختصار، كيف ينضج لبنان ويأخذ مصيره بيديه؟

إذا تولى عدد قليل من الرجال والنساء الصالحين هذه المبادرة، فبالتأكيد سوف يتوصلون بسرعة إلى الإدراك بأن النظام الفدرالي هو ما سينقذ لبنان، وبأنّه النظام الوحيد الذي يشبه اللبنانيين، وهو النظام الوحيد الذي سيسمح لهم بأن يكونوا “من بين كثيرين، واحداً”، وهذا بالضبط ما هم عليه في جوهرهم.

فلماذا يبدو اللبنانيون على وفاق في كل مكان آخر في العالم فيما يأكل بعضهم لحم البعض الآخر في بلدهم؟ ولماذا يتحقق النجاح الباهر في جميع المجالات عند اللبنانيين في كل مكان إلا في لبنان؟

السبب ببساطة هو أن النظام السياسي اللبناني يزيد من خوف الآخر وخوف الخسارة، بالإضافة إلى الحسد والطمع ، ويأتي كل هذا إلى نهايته مع نظام فدرالي.

ففي النظام الفدرالي، كما في سويسرا مثلاً، فإننا نرى كيف يتحول التنوع إلى قوة بدلاً من أن يكون عبئًا على البلد. يصوت الناس في مناطقهم على ما يهمهم أكثر مثل التعليم والرعاية الصحية والأمن وذلك دون أن يؤثر ذلك على الآخرين.

وفي ألمانيا، تتمتع الجماعات المحلية (البلديات) بحكم ذاتي ومسؤولية كبيرة في ما يتعلق بإدارة المدارس والمستشفيات والإسكان والبناء والرفاهية الاجتماعية والخدمات العامة والمرافق العامة والتسهيلات الثقافية، وهذا ما يحتاجه لبنان.

ويجب القيام بذلك مع ضمان احترام حقوق الإنسان واستقلالية المحاكم داخل الدستور، ويمكن أيضًا تنفيذ نظام من مجلسين كما هي الحال في الدول المماثلة ويجب مناقشته.

وفي النهاية، يحتاج لبنان إلى بداية جديدة لا يمكن لأي انتخابات، سواء كانت بلدية أو نيابية تحقيقها، وحتى لو استيقظ لبنان غداً على رئيس جديد ورئيس وزراء جديد بفعل معجزة ما، فإن الكابوس سيستمر، ويبدأ التغيير بحلم وتنفيذه.

زر الذهاب إلى الأعلى