الكنيسة العاجزة…

في بلدٍ طائفيٍّ مقيت، يتحوّل حكماً أيّ انتقادٍ للسلطة الدينيّة التي تتبع لها الى نشر غسيل، أما الكلام عن السلطة الدينيّة الأخرى فزرع فتنة. إلا أنّ ميزة المسيحيّة هي هامش الحريّة التي تتيحها للمنتمي اليها، ما يجعلك قادراً، مثلاً، على انتقاد البطريرك من دون أن يرسل اليك شبّاناً على دراجاتٍ ناريّة لـ “يربّوك”!

مناسبة هذا الكلام ما بلغناه من انهيار، وما وصل اليه كثيرون من عوز. دقّ الفقر على أبواب عائلاتٍ كثيرة، من بينها المسيحيّة، ولو أنّ بعضها الكثير يكابر ويخفي ويعضّ على الجراح. يحصل ذلك بينما الكنيسة المسيحيّة، بمختلف مذاهبها، مقصّرة تجاه ناسها.

ما يحصل للبنانيّين عموماً والمسيحيّين خصوصاً يستوجب، أقلّه، اجتماعات للبطاركة وتشكيل لجان وإطلاق مبادرات. لم تبلغ الكنيسة في لبنان مستوى الأزمة، ولولا العظات التي نسمعها بين حينٍ وآخر لظنّنا بأنّ بطاركتنا يجهلون حال البلاد والعباد.

على الكنيسة اليوم أن تقف الى جانب ناسها. ولا نقصد حصراً في كلامنا البطريركيّة المارونيّة، وإن كانت بكركي صاحبة وزناتٍ أكبر لناحية العدد والدور والإمكانيّات. وعلى الكنيسة أن ترسم حدوداً تمنع الفقر من التسرّب الى البيوت. وعليها أن تضع الخطط لتأمين استمراريّة المدرسة والجامعة والمستشفى، من دون أن يُحرم تلميذ أو طالب من التعلّم ويُحرم مريضٌ من طبابة.

دور الكنيسة كبير، ورجال الدين هم آخر من يحقّ لهم أن “يفرفكوا” أيديهم عجزاً. بل عليهم أن ينطلقوا في المجتمع، وأن يساعدوا حيث يجب، لا عبر تحويل المسيحيّين الى شعبٍ يتسوّل “كراتين الأعاشة”، بل عبر مبادراتٍ وصناديق ولجانٍ أهليّة تنجز كثيراً وتتكلّم قليلاً.

ولا بدّ هنا من التوقّف عند انفصال بعض البطاركة غير اللبنانيّين عن الواقع اللبناني، فنراهم بعيدين عن الاهتمام المباشر بالشأن اللبناني، إلا إذا استثنينا استقبالاتهم لبعض المسؤولين. لقاءات هي، غالباً، من دون جدوى.

ما سبق ليس جلداً للذات ولا نشر غسيل. هي صرخة علّها تصل الى آذان المعنيّين. وهو عتب على قدر المسؤوليّة الملقاة على عاتق رجال الدين في هذه المرحلة الصعبة، وقد بلغ فيها مسيحيّون، ولبنانيّون، حدّ الانتحار يأساً.

هناك من ينتحر بطلقة من بندقيّة، ولكنّ الخبر لا يصل الى الصروح البطريركيّة. لو وصل، ربما، لتحرّك البطاركة لإنقاذ من هم أحياء… على درب الانتحار.

زر الذهاب إلى الأعلى