فدراليات غير معلنة،

يشكّل المسيحيون حتى في خلافاتهم نموذجاً يحتذى عن الديمقراطية، فالخلاف الجذري بين القوات اللبنانية والتيار العوني لو نشأ في البيئة الشيعية مثلاً لسالت الدماء في الشارع الواحد وداخل البيت الواحد بينما تنعم المناطق ذات الأغلبية المسيحية بالأمن والهدوء والإستقرار وهذا ليس صدفة وإذا اختصرنا مقولة بأن القادر على المواجهة لا يرغبها والراغب بالمواجهة غير قادر عليها يمكن اعتمادها على البيئة المسيحية وهذا ليس صدفة بل نتيجة قواعد اشتباك فرضتها عدة تجارب سابقة كان الحسم فيها لصالح القوات اللبنانية.

هذا الواقع الذي أدّى إلى الإستقرار وتمكّن القوى العسكرية والأمنية الشرعية من ممارسة دورها في ما يشبه الفدرالية العسكرية، ناهيك عن الفدرالية القضائية التي ينتقدها البعض لاقتصار المداهمات للدوائر العقارية على المناطق المسيحية وشخصياً لا أعتبرها استهدافاً للمسيحيين ويمكن لهذه المداهمات أن تضع حداً لعمليات البيع غير المشروعة التي يشكو منها المسيحيون.

إلى جانب “الفدرالية” العسكرية والقضائية غير المعلنة، تتمتع المناطق المسيحية بحركة اقتصادية مقبولة جداً نظراً للأوضاع السائدة بما يشبه “الفدرالية الإقتصادية” والفضل فيها يعود لحيوية المسيحيين الذين يستفيدون من الإستقرار الأمني لتقديم نموذج عن “حب الحياة” وما على المشككين سوى زيارة هذه المناطق والقيام بجولة على مراكز التزلج التي تستقبل اللبنانيين من جميع المناطق والطوائف، والإنتقال إلى المطاعم المليئة بروّادها خلال كل أيام الأسبوع في ظاهرة غريبة فعلاً ولكنها تشكّل دليلاً على تعلّق اللبنانيين بنمط حياتهم الذي يجدونه في المناطق المسيحية.

طبعاً، هذه الوقائع لا تنفي الضائقة المالية لكافة اللبنانيين ولكنها تخفف من آثارها ووطأتها إلى جانب المساعدات السخية التي يقدّمها اللبنانيون المقتدرون في الداخل ودول الإنتشار والتي قضت على شبح الجوع إلى حدّ كبير، ومع استمرار الإستقرار سنجد وسيلة ونمتلك القدرة على معالجة مسائل الطبابة والتعليم تدريجياً فمجتمعنا حيّ والتحديات الكبرى لا تسمح بحلول جذرية ولكن بالإمكان الحدّ من مفاعيلها.

ما سبق من سرد للوقائع ليس كلاماً طائفياً، وما أنجزه المسيحيون هو استعادة لدورهم وواجبهم تجاه مجتمعهم ووطنهم وهو ليس سابقة بل تم إنجازه خلال الأعوام التي تلت انتفاضة الحكيم في ١٥ كانون الثاني ١٩٨٦ ودام حتى قضى عليها ميشال عون بحروبه، وما يجري في المناطق المسيحية هو نموذج نتمناه لكافة المناطق بعد أن أصبح لدى اللبنانيين خياراً بين “فدرالية الحياة” في البيئة المسيحية وقدرتها على الفصل بين الخلاف السياسي والشأن المعيشي، وبين “فدرالية الموت” التي يعرضها، أو بالأحرى يفرضها، “ح ز ب” الله على اللبنانيين.
ليبان صليبا

زر الذهاب إلى الأعلى