الجيش ونقطة الضوء

كلّ شيء في البلاد أصبح أسود كلوحة الليل: السياسة، الاقتصاد، النقد… الثقة بالساسة والمسؤولين تزعزعت، التناقضات تعصف بأعمدة المجتمع وتتصادم، الرؤية مشوشة أمام الناس، الحاضر كما المستقبل متسمّران على حافة المجهول….

أفكار كثيرة للحلول تشتعل في عقول اللبنانيين، لكنها لا تلبث أن تهمد لأنها غير قابلة للتطبيق أو لا إجماع عليها، في وطن قدّر له أن يكون على خط زلازل الطوائف والمذاهب والفرق، تلك التي تظن كلّ واحدة منها أنّها وكيلة الله، وبالتالي الوريثة الحصرية للأرض ولاحقاً لملكوت السماوات.

لا أحد يستطيع إقناع أحد في بلادنا، لأنّ المنطق أصبح وجهة نظر، وكلّ متشبّث بموقفه حتى النهاية، لأنّه يعتبر التراجع عنه تراجعاً عن الهوية والإرث والتاريخ…

حتى الثورة أصبحت بلا هوية ولا بوصلة، فمن يثور؟ وضدّ من وكيف ولأيّ غاية؟ والنتيجة معروفة سلفاً وهي مزيد من الغرق في مستنقع الفوضى بعد أن اختلط الحابل بالنابل على مختلف الصعد.

أسباب الجلجلة التي نمرّ بها مزيج من احتدام الصرعات الداخلية والخارجية وعدم القناعة الكافية بأن للحفاظ على التنوع اللبناني شروطاً وعناصر لا يمكن القفز فوقها، وهذا دليل على عدم إيمان البعض ضمناً بأهمية هذا التنوع وضرورة بقائه، للتأكيد على إمكان نجاح هذه التجربة الفريدة في العالم.

وسط هذه اللوحة السوداء تلمع نقطة ضوء، هي الجيش اللبناني ببزاته المرقطة التي ما زالت تبعث الطمأنينة والأمان في نفوس اللبنانيين على الرغم من المصاعب والمصائب كلّها.

الرائع في جيشنا وأكثر في هذه الأيام، عدم خشيته للحظة واحدة من صبغ مهماته باستهداف هذه الطائفة أو تلك، فهو يداهم أوكار المجرمين والعابثين بالأمن أينما وجدوا، في جبل لبنان، في بيروت، في البقاع والشمال والجنوب. مقدماً قوافل الشهداء على مذبح الوطن، والتي كان آخرها ثلة من نخبة رجاله في منطقة البقاع بالأمس القريب.

العبرة في أداء الجيش ليس في بسالة رجاله وشجاعة قيادته فحسب، بل أيضاً في بقائة في خضمّ الانهيار، صورة ناصعة عن لبنان التعدّدي الواحد، المحصّن من عواصف التفرقة والتشرذم، ومثالاً فذاً عن التضحية التي لم تلو ذراعها ضيق ذات اليد ، ولا المعاناة الحياتية والمعيشية غير المسبوقة لجنوده خلال هذه الأزمة الطاحنة.

وحده الجيش نقطة مضيئة يتجدد معها الأمل بالخلاص، بعد أن أثبت بالتجربة أنّه الوفي بالحقّ لإرث شهدائه وأبطاله، وللحلم الوطني الكبير الذي يصبو إليه جميع المخلصين من أبناء هذا الوطن.

فهنيئاً للبنانيين بجيشهم ، والمجد والخلود لشهدائه الأبرار.

زر الذهاب إلى الأعلى