جيلُ الثمانينيّات.. المغضوب عليهم: لقد رأينا كلَّ شيء

نحن الثلاثينيّين والأربعينيّين لم يفُتنا شيء من كوارث العالم لم نشهده. فقد شاهدنا الحرب الأهليّة في الثمانينيّات. وُلدنا بين الاجتياح الإسرائيلي (1982) وانتفاضة 6 شباط (1984)، وتفتّح وعينا على حربَيْ التحرير (1989) والإلغاء (1990).

في التسعينيّات عشنا الاحتلال السوري، وحرب الأيّام السبعة (1993)، ثمّ حرب نيسان (1996)، وتحرير الجنوب (2000). ولاحقاً كنّا نتنقّل بين تفجيرات متنقّلة هي الأخرى، واغتيالات متقطّعة ومتواصلة منذ 2004 إلى يومنا هذا. وعرفنا كيف أنّ فريقاً يمكن أن يقتل قيادات الآخرين ويخوِّف كلّ اللبنانيين.

بين اغتيال وآخر عشنا “ثورة الأرز” أو “انتفاضة الاستقلال”. ثمّ جاءت حرب تموز (2006) لتحصد آلاف القتلى والجرحى وتدمّر مئات الجسور وآلاف الأبنية. حرب تشبه الإبادة الجزئية. وعشنا لنروي.

بعدئذٍ حضرنا حرباً أهليّة متقطّعة في 2006 و2007 انتهت بـ7 أيّار 2008. وكنّا بين تظاهرة واغتيال وتفجير، يحلم بعضنا بـ”الحرّية والسيادة”، ويحلم البعض الآخر بتحرير القدس. وكلّ حلم كلفته “أكبر من الثاني”.

جاء 2010 ليحرق البوعزيزي جسده في تونس، وتمتدّ ألسنة نيران “الربيع العربي” إلى مصر وليبيا وصولاً إلى سوريا (2011). فبدأت موجة عنف وتفجيرات كان لنا منها نصيب جديد (2013 و2014 و2015)، بين من قرّروا المشاركة في الحرب السوريّة، وبين سوريّين قرّروا أن يردّوا في لبنان.

هدأت سوريا في 2016 تقريباً، وبدأ الانهيار الاقتصادي وهندساته المالية في لبنان (2017)، ثمّ انفجر في ثورة 17 تشرين (2019). وفي 4 آب 2020 تمّ تفجير مرفأ بيروت، ثمّ كانت اغتيالات “على الخفيف” (2021)، تلتها انقسامات جديدة. وطارت ودائع اللبنانيين وسقطت المصارف (2020 – 2023)، ثمّ فقدنا قدراتنا الشرائية مع انهيار قيمة العملة والرواتب، و”اختفت” الكهرباء، ودخلنا نفق “صيرفة” وأسعار الصرف. وجاءتنا جائحة كورونا لتكتمل حكايات الرعب التي صنعتنا وصنعناها.

اليوم جاء زلزال هزّ أسرّتنا وأيقظنا. كما لو أنّنا يجب أن “نختم” الانهيارات والحروب. لم يبقَ “نوعٌ” من الكوارث لم نجرّبه ويجرّبنا.

شهد الجيل السابق شيئاً من “حلاوة” الستّينيّات والسبعينيّات. والجيل اللاحق، جيل التسعينيّات، “زمط” من آلام الثمانينيّات. وجيل الألفيّة الجديدة فاتته مرحلة حواجز قوات الردع السورية وحروب 93 و96 وانقسامات ما بعد تحرير 2000.

نحن جيل الثمانينيّات، جيل المغضوب عليهم، لم يكن ينقصنا سوى زلزال، ولا ينقصنا شيء بعد اليوم سوى النيزك الشهير، أو يوم القيامة.

والساعة آتيةٌ لا ريب.

زر الذهاب إلى الأعلى