انتهت مهلة ومهمة الحلول التقليدية

أسوأ ما يمكن لشعب أن يعانيه هو فقدان الذاكرة الجماعية، وهذا أخطر من فقدان الأدوية وحليب الأطفال والمواد الغذائية التي يمكن تعويضها بجهود ذاتية مثلما يفعل اللبنانيون على الرغم من الكلفة الباهظة والجهود الجبارة المبذولة، ولكن فقدان الذاكرة يوقعنا في تجربة المجرّب والعهد المخرّب.

لقد شهد لبنان بعد خروج الإحتلال السوري ما لا يقل عن أربع اجتماعات حوارية جماعية كان “ح ز ب” الله خلالها مأزوماً، الدعوة الأولى بمشاركة الجميع وأتت تحت وهج الإنقسام بعد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام ٢٠٠٦ وانتهت بحرب تموز بعد الوعد الكاذب لنصرالله بعدم البدء بصراع مع إسرائيل (العدو)، الدعوة الثانية كانت في الدوحة في العام ٢٠٠٨ بعد غزوة بيروت والجبل في “٧ أيار” واستمرت أياماً والتي قام بها “ح ز ب” الله وشارك الجميع في الجلسة التي أثمرت عن اتفاق تحفظت عليه القوات بسبب إقرار أعراف مسّت بالتركيبة اللبنانية (قبل طرح جعجع اليوم حول التركيبة) وبجوهر اتفاق الطائف وأدت إلى منح الممانعة وتحديداً الثنائي الشيعي حق الفيتو وذلك بمباركة من التيار الوطني الحر الذي يتباكى اليوم على ممارسات وزير المالية التابع للثنائي وصاحب التوقيع الرابع المعطّل، الحوار الثالث جرى في العام ٢٠١٢ بمشاركة الجميع وأثمر عن اتفاق بعبدا برعاية الرئيس الأسبق ميشال سليمان الذي قال عنه محمد رعد “بلّوه واشربوا ميتو” بعد موافقته عليه، والحوار الرابع الذي قاطعته القوات جرى في العام ٢٠١٥ خلال فترة الشغور الرئاسي من دون التوصل إلى نتيجة.

بعد هذا السرد، من المنطقي القول بأن الحوار التقليدي قد فقد مفاعيله ومهلته ومهمته تحت وطأة السلاح والأزمة الكبرى التي يرزح تحتها لبنان بعد عهد ميشال عون وجبران باسيل وعدم سعيهما طيلة ست سنوات إلى ترسيخ مفهوم الدولة ومعالجة ثغرات التركيبة والمونة على حليفه للثقة بالدولة والرئيس الذي حمى ظهر “المقاومة” وصدرها ويديها وقدميها مكتفياً عون وصهره بالمناصب التي أمّنها لهما الحزب، وإذا كان عون مع كل ما قدّمه من حماية للمقاومة لم يستحق تعزيز دور الدولة، فأي رئيس يستحق ذلك، الواقع يقول أن نصرالله كاذب بطلبه حماية ظهره وهو غير مستعد لإراحة الوضع اللبناني مقابل حماية ظهر مقاومته.

نصل إلى كلام رئيس حزب القوات اللبنانية، وأي عاقل يجب أن يعترف بأنه على حق، وأي لبناني حر يجب أن يواكب القوات في مسعاها لتقويم الإعوجاج وإنهاء حال الشلل في التركيبة اللبنانية، فالقرار اتخذ ومروحته واسعة، والحل اليوم هو بالموقف وكلمة “كفى” حاسمة يوجهها السياديون، القوات قررت تغيير النهج القائم، والتغيير الشامل يتطلب مشاركة جميع المتضررين من خلال القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي ومن خلال خطوات جميعها دستورية، وبانتظار الخطوات الكبرى، هناك خطوات تكتية تسعى وستستمر القوات لتحقيقها لإراحة بيئتها وأيضاً تحت سقف الدستور وبما يتيحه القانون، والفرج الآتي لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى