مخدة الرويشة

✍️ الروائي عمر سعيد

لم أكن أعلم أنّ بابا نويل ليس بإمكانه الوصول إلى قريتنا، كنت أبيت ليالي الميلاد أحلم، وآمل أن أستيقظ، وأجد بجانب وسادتي، وفوق سريري هديّةً، لم يكن في الأصل في بيتنا سرير، وكنت أتقاسم وسادة الرّويشة (قشر القمح) مع إخوتي.

كنت أكتم غضبي، وغيضي منه، وأتساءل: لمَ يمكنه الوصول إلى عنجر، دون أن يصل إلى قريتنا؟!

لم أكن أعلم أنّنا لم نكن كباقي الأطفال.

انتظرت سنوات وسنوات؛ كي أحصل على هديتي، دون جدوى.

كبرت، وعرفت أن بابا نويل كان كافرًا، لا يمكنه أن يمرّ في قرانا نحن المؤمنين.

كبرت، وأدركت أنّ طفولتنا ليست تشبه طفولات العالم.

فنحن أطفال يخنقنا الّله إذا كذبنا، وإذا دسنا على كسرة خبز، وإذا أسقطنا شيئًا من طعامنا الّذي نتناوله، وإذا سرقنا، وإذا اشتهينا، وإذا بلنا وقوفًا، وإذا ضرطنا على مسمع أحد، حتى ظننت أنّ ذلك الّله لا عمل له إلّا خنقنا نحن الأطفال، لذا ما أحببته.

وكنت أفرح كثيرًا كلما استيقظت صباحًا، وأجدني ما زلت على قيد الحياة.

ما أحببته لأنّه كان كأولئك السّاهرين البليدين من حولنا، يمضون السّهر في توبيخنا، والسخرية منا نحن الصّغار إن خسروا في لعب الورق، وإن ضجروا من عتم ليالي الشّتاء، وإن للا سبب.

ما أحببته لأنّه كان كأولئك الكبار المتسكعين في أزقة القرية، وقد لقيتهم مخيّرًا بين أن أُقبّل أيديهم، وبين أن أُشدّ من أذني، أو أُشكى لأبي، فيتولى تأديبي.

فما أحببته، ولا زلت، لأنّه أُنزِل مني منزل خطأ وإلى اليوم لا زلت أفر من تلك الطفولة الّتي ما تعلمت فيها شيئًا غير الخوف ولولا أنّي قمت بإعادة تربية نفسي من جديد؛ لكنت أشفق على نفسي من شدة ظلمها للآخرين.

نعم نجحت في إعداة إنتاج ذاتي من جديد، غير أنّي لا زلت أنتظر بابا نويل أن يسلّمني هديتي. وسأظل وهذا أشد ما فشلت فيه.

زر الذهاب إلى الأعلى