المصارف تحتجز أموال القطاع الصحي.. والمستشفيات تحتجز المرضى!

لم ينفذ أي من القطاعات من جور واستبداد القطاع المصرفي، فالإجراءات القاسية غير القانونية وغير الإنسانية تمارسها المصارف على الجميع، فلا تأبه لمخاطر إجراءاتها على قطاعات حيوية تمس بصحة المواطنين وحياتهم بشكل مباشر كالمستشفيات والصيدليات والأطباء وغيرهم. الجميع بنظر المصارف انتهت صلاحيته، عملاء ومودعين.

أما وأن تشكّل الإجراءات المصرفية المجحفة من احتجاز أموال ووقف التحويلات وخفض سقوف السحب النقدي وغيرها، خطراً على استمرار مؤسسات من بينها مستشفيات، فهو ما لا شأن لها به! فلا يعني المصارف ولا حتى مصرف لبنان أن تتعطل دورة عمل المستشفيات وأن تعجز عن تأمين مصاريف وخدمات مرضاها ورواتب موظفيها.

بين المصارف والمستشفيات

يقف القطاع الصحي على الضفة الأخرى من الأزمة، محتجزاً المرضى، في مواجهة المصارف. فالمستشفيات والأطباء وعموم القطاع الصحي قرر مواجهة إجراءات المصارف ومصرف لبنان “القاسية” بتحركات لا تقل قساوة وإجراماً عنها. قررت وقف العمل يوم غد الخميس وعدم استقبال المرضى باستثناء الحالات الحرجة، لتنفيذ اعتصام أمام مصرف لبنان.

ولا ضير في مواجهة المصارف “المختلسة للأموال”، وراعيها مصرف لبنان المنتهك لكافة الأصول القانونية في ملف المودعين، لا بل من الواجب مواجهتهم. لكن من قال أن المصارف ومصرف لبنان سيعنيهم تعليق المستشفيات استقبال المرضى؟ وهي التي تحتجز أموال المرضى أنفسهم ولا تفرج عنها مهما تدهورت أحوالهم الصحية والاجتماعية؟ بالمحصلة، تتصارع المستشفيات مع المصارف على قضية “محقة” لكن على حساب صحة المرضى وأمانهم.

أسباب التحرك

تنفذ نقابتا أطباء بيروت والشمال ونقابة المستشفيات في لبنان إضراباً تحذيرياً يوم غد الخميس وبعد غد الجمعة 26 و27 أيار. ومن المقرّر أن تتوقف المستشفيات عن استقبال المرضى وحصر عمليات الاستقبال بالحالات الطارئة والحرِجة وغسيل الكلى والعلاج الكيميائي فقط، على أن يتزامن الإضراب مع تنفيذ اعتصام يوم غد الخميس أمام مقر مصرف لبنان الرئيسي “احتجاجاً على احتجاز أموالهم في المصارف، وعدم تأمين السيولة الضرورية للأطباء والمستشفيات وجميع العاملين الصحيين فيها”.

تحتجز المصارف أموال المستشفيات على غرار ما تقوم به حيال باقي المؤسسات والأفراد، فلا تراعي حساسية وضع المؤسسات الاستشفائية، علماً أن الأخيرة مُلزمة منذ أشهر بسداد غالبية حاجاتها من الأدوية والمستلزمات الطبية والمازوت نقداً، لأسباب تتعلق بتسهيل تأمين تلك المواد من قبل المستوردين. هذه التعاملات تفرض على المستشفيات التصرف بحساباتها المصرفية، وهو ما لا تسمح به المصارف.

إجراءات المصارف

ولا تقتصر إجراءات المصارف على احتجاز أموال المستشفيات بل تتعداها إلى أموال الاطباء ورواتبهم ورواتب الكوادر الطبية والتمريضية، حتى أن المصارف ترفض منذ مدة تحويل رواتب العاملين بالمستشفيات من حسابات المستشفيات نفسها، إنما تشترط تحويلها نقداً إلى المصارف. ولأن المستشفيات تفتقر للسيولة “الكاش”، على الرغم من فرضها على المرضى سداد جزء من فواتيرهم الاستشفائية نقداً، لجأت إلى الإضراب ومواجهة المصارف حماية لاستمراريتها.

وقد حذّر نقيب المستشفيات سليمان هارون، من أن استمرار المصارف بتطبيق تلك الإجراءات واحتجاز أموال المستشفيات والكوادر الطبية والتمريضية قد يدفع العديد منها إلى الإغلاق. وكما المستشفيات كذلك يعاني الأطباء من إجراءات مصرفية قاسية، تدفع بالمئات منهم إلى الهجرة خارج البلد. وهو ما حذّر منه نقيب الأطباء شرف بوشرف.

أما الأطباء فمعاناتهم مع المصارف لا تختلف كثيراً عن معاناة كافة المودعين، التي تبدأ من خفض سقوف سحبهم النقدي من حساباتهم واحتجاز رواتبهم الشهرية وودائعهم ومدّخراتهم، ولا تنتهي بمنعهم من إجراء تحويلات مالية من حساباتهم ومن تلقي حوالات ووقف إصدار شيكات وإيداعها، ليُضاف إلى كل ذلك فرض التصرف بأموالهم المودعة في المصارف عبر الشراء من مراكز البيع، بموجب البطاقات المصرفية. غير أن هذا الخيار أيضاً لم يعد مُتاحاً في الغالبية الساحقة من المتاجر باستثناء بعض المراكز التجارية والمؤسسات، التي خفضت نسبة الشراء عبر البطاقات المصرفية إلى 25 في المئة من قيمة المشتريات.

المرضى “رهينة”

وكما رهنت المستشفيات والأطباء المرضى، واتخذت منهم سلاحاً تواجه به تعسّف المصارف، كذلك فعلت الصيدليات التي أقفلت أبوابها يوم أمس الثلاثاء، اعتراضاً على توقف مستوردي الأدوية عن تسليم الصيدليات احتياجاتها اليومية من الأدوية، مع ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل متسارع.

ولا شك أن ممارسات بعض مستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية تستنزف مخزون الصيدليات من الأدوية، وتالياً من الأموال، وتهدّد أمن وصحة المرضى، لاسيما منهم ذوي الأمراض المزمنة والسرطانية، وتصل فترة توقف شركات الأدوية والمستوردين عن توزيع الطلبيات لمدة 15 يوماً أحياناً. لكن أليس إغلاق الصيدليات يهدد صحة المرضى أيضاً؟

حال المستشفيات والأطباء وحتى الصيادلة يُنذر بخطر حقيقي على القطاع الأكثر أهمية وخطورة على صحة المواطنين في الوقت الراهن، مع انتشار الأمراض والفيروسات.

لكن لا بد من السؤال ألم يجد أركان القطاع الصحي آلية لمواجهة المصارف بعيداً عن ارتهان المرضى؟

زر الذهاب إلى الأعلى