الردّة المسيحيّة

لماذا انبهر الناخبون المسيحيّون، وصبّوا أصواتهم في صناديق حزب القوات اللبنانية، ماحضين ثقتهم بمرشّحيها، مانحين إيّاهم الغلبة على مرشّحي التيار الوطتي الحر، مشكّلين نواة الكتلة الأكبر عدداً مسيحيّاً، كما من المحتمل أن تصبح الأولى عدديّاً في انتخابات برلمان 2022؟

هل الاستهتار العوني هو السبب؟ والاتّكال فقط على إرث نضالي لم يعد ينفع؟ هل تذبذب علاقته مع حزب الطاشناق الذي تحالف مع ميشال المر في المتن أفقده أكثر من مقعد؟ هل التوتّر الدائم الذي يسود علاقته مع الرئيس نبيه بري وحركة أمل؟ هل تحالفه المصطنع مع المير طلال ارسلان ورئيس حزب التوحيد وئام وهّاب؟ هل الخلافات المستمرّة والمتجدّدة داخل التيار وبين المحازبين والمرشّحين على لوائحه غير المنتسبين؟ هل صراعه مع تيار المردة؟ وميشال معوض؟ ونعمة افرام؟ وميشال الضاهر؟ هل دفاعه المستميت عن سياسات وزرائه خصوصاً في الكهرباء؟ أو بسبب فشله في تسويق هذه السياسات والردّ على الحملات الناجحة التي استهدفته، وجعلت الرأي العام ينقلب من ضفّة ويميل إلى ضفّة أخرى؟

هذا بالنسبة إلى التحالفات والأبعاد الداخلية لمواقف الناخبين. وتكشف المؤشّرات والتساؤلات السابقة عن رؤية غير سليمة واستراتيجيّة ناقصة غير متكاملة وغير شاملة لادارة معركة سياسية – انتخابيّة أجمعت القوى اللبنانية على وصفها بالمصيريّة والتاريخيّة والتي سوف تغيّر وجه لبنان.

وطالما أصبح الشعب اللبناني على شفير باب جهنّم، لماذا غاب عن بال البعض مقولة تشيرشل الشهيرة عن استعداده للتحالف مع الشيطان (المقصود الولايات المتحدة الاميركية) لمحاربة أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية؟

وماذا عن انفجار مرفأ بيروت؟ وشلّ القدرة على كشف مسبّبيه والاعلان عن أسبابه وخلفيّاته؟
من دون التخفيف من دور بكركي المؤثّر مع الأبرشيات والرهبانيات في توجيه الناخبين.
أما بالنسبة إلى أبعاد المعركة الديمقراطية وتحالفاتها الاقليمية والدولية، أين يقف الناخب المسيحي وفي أيّ محور؟ هل أظهرت قراءة الأرقام تفضيله المحور الأميركي – الاوروبي- الفاتيكاني – العربي – الخليجي على المحور السوري – الايراني؟

استعار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل تصريح ديفيد شينكر ليقول إن معركته كانت بوجه أميركا واسرائيل، وإن فرض العقوبات عليه صبّ في إطار محاصرته واضعافه.
إن كان هذا التحليل صائباً، وهو على الأرجح صائب، كون واشنطن فارضة على باسيل عقوبات مالية لا سيّما بسبب تحالفه مع الحزب ومع سوريا. فإن كان على اقتناع بهذا الخط وهو مدرك لتداعياته وانعكاساته السياسية عليه، لا يعود موقف شينكر مفاجئاً.

ولكن ازدواجية تعاطيه مع الحزب التحالفي على قاعدة تفاهم مار مخايل من ناحية، وتهرّبه من ناحية أخرى من هذه العلاقة مفتّشاً عن طاقة أو باب ينساب منه، تركت الريبة والشكوك لدى قيادة الحزب في الضاحية الجنوبية، التي يسرّب حليفها الأقوى سليمان فرنجية أنّه الأوفر حظّاً لرئاسة الجمهورية؟

يجدر التذكير بأن الناخب الاوروبي في معظم دول القارة العجوز غيّر في قناعاته في السنوات العشر الأخيرة. ودفع الاحزاب المسيحية والعنصرية والمتطرّفة إلى الواجهة الأماميّة ضدّ اللاجئين والمسلمين.
فهل استطاعت القوات اللبنانية جرّ الناخب المسيحي إلى خطابها المموّه بالاعتدال والمواطنة؟ والايديولوجي المسيحي الصرف بالشكل والمضمون؟ وهل اعتبر الناخب المسيحي أنّه صوّت بهذا الشكل لأنّه يحتاج إلى قوّة تقف بوجه الحزب؟

زر الذهاب إلى الأعلى