باسيل يرمّم شعبيته قبل الانتخابات

لعل أكثر ما يحتاجه عهد ميشال عون، اليوم، هو مبادرات ترمّم صورته لدى المسيحيين قبل الانتخابات، من قبيل الإجراءات التي تتخذها القاضية غادة عون حيال المصارف. يدرك المتابعون اللبنانيون أن إجراءاتها مسيّسة، ويقولونها بصوت عالٍ، لكن الجمهور يرفق هذه الصفة، بصفة أخرى أيضاً للقاضية المحسوبة على العهد العَوني، وهي “الشجاعة”.

ارتبطت الصفتان ببعضهما البعض بشكل متلازم، حتى باتت “شجاعة القاضية عون” متصلة بشكل وثيق “بالإجراء المسيس”. بمعنى آخر، لم تكن عون لتتمكن من مواجهة المصارف، واتخاذ قرارات بحقها، من دون “ظَهر سياسي” تستند إليه وفّره لها “التيار الوطني الحر”. بالتالي، فإن التدابير والقرارات التي تتخذها، تتم بالوكالة عن الرئيس ميشال عون نفسه، وتالياً، النائب جبران باسيل، فتصبح “الشجاعة” شجاعتهما، لا شجاعة القاضية عون وحدها، والتي تُحارب -كما يقول العونيون- “من داخل الجهاز القضائي وفي الإعلام”.

بات الصراع على أموال المودعين، ومحاسبة المسؤولين المفترضين عن تبخّر أموال المودعين، أبلَغ شعار يوجه إلى المسيحيين في ظل الشح المالي والأزمة الاقتصادية. ثمة قسم كبير من المسيحيين، كان ينتمي إلى الطبقة الوسطى، وأتاحت له مداخيله في المهن الحرة أو حتى في الوظائف، إيداع مدخرات في المصارف.. ومنذ عامين ونيف، لم يُتخذ أي إجراء لتحصيل أموال هؤلاء، ولا حتى لمحاسبة المسؤولين المفترضين والمُشتبه في ضلوعهم في القضية، أياً كانوا.

وفي ظل التعتيم عن المسؤولين المباشرين، وتقاذف التهم بين السياسيين والمصرفيين، استهدف “التيار” أعلى مستوى من هؤلاء. حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، وشقيقه، وستة رؤساء مجلس إدارة لستة مصارف كبرى. وعليه، يشعر المودِع اليوم بأن هناك من يقتص له، سواء استطاع تحصيل حقه فعلاً، أم لا..

يلعب التيار في منطقة حساسة جداً، حيث يقطع الطريق على خصومه السياسيين في الشارع المسيحي، مصادراً انتقاداته. فأي انتقاد، هنا، سيُصوّر المُنتقد على أنه يدافع عن رياض سلامة، أو شقيقه الذي يُقال انه جمع ثروة تتخطى 350 مليون دولار جراء حصوله على عمولات لقاء تسويق “اليوروبوندز” في السابق. وسيُصوَّر المُنتقِد بأنه يدافع عن مصارف حصلت على أموال بالدولار في بداية الأزمة، بالعملة الورقية، وأعادتها الى المصرف المركزي تحويلات، هي بالنسبة للكثيرين، باتت أرقاماً، حتى لو أن المصرف المركزي لا يفرق بين أموال سائلة أو تحويلات.

على هذا المنوال، كسب العهد المعركة. ففي مواقع التواصل، تمجيد بـ”شجاعة” غادة عون. لم يعد تسييس الملف، أو تحركها ضمن أطر سياسية، تهمة. على العكس، “مسيّسة لكن شجاعة”. في رأي الغالبية الكبرى من اللبنانيين، باتت القاضية عون رأس المواجهة مع المصارف “المحظية بالغطاء السياسي”. كما لم يعد التجديد لرياض سلمة، حاكماً للمصرف المركزي، في العام 2017، تهمة مقتصرة مسؤوليتها على العهد، بالنظر إلى أن معظم القوى السياسية التي كانت ممثلة في الحكومة، تشاركه هذا التجديد. ما يعني أنه يتقاسم المسؤولية مع سواه، حتى لو اختلفت حصص المسؤولية بناء على التمثيل في حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى في عهد الرئيس عون. وفي حال ذهبت المصارف الى تصعيد بالإقفال أو غيره، فإنها ستخسر معركة أيضاً، كون الإعلام سيصورها كـ”لُوبي” يحارب الإصلاح والمحاسبة.

اليوم كسب العهد، وتالياً باسيل، معركة كبيرة في الشارع المسيحي، لا يستطيع خصومه انتقاده عليها، فحصروا معركتهم معه في قطاع الكهرباء، وفي العلاقة مع “الحزب”. يستطيع أن يرمي التهمة الأولى على ما يسميه “حصاراً” للبنان في هذه الظروف، تتكفل قناة “المنار” يومياً بالحديث عنه.. وفي الثانية، هو لا يخفي علاقته بالحزب، طالما أن خصومه لهم علاقات بقوى أخرى.. هكذا، يرمم التيار صورته وشعبيته، تحضيراً لانتخابات نيابية يبدو أنها ستجري في موعدها.

زر الذهاب إلى الأعلى