على وقع الخطابات والسّجالات المُضادّة التي ملأت هواء الشّاشات على مدى أيّام بكمٍ من شعارات التحريض والقدح والذَّم التي يحظرها القانون الانتخابيّ أساساَ، وفي ظلّ الصّمت الإنتخابيّ الذي انطلق قبل 24 ساعة من فتح أوَّل صناديق الاقتراع أمام الناخبين اللبنانيّين في الدول العربية، لا يزالُ كلام البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته الأحد الفائت يستأثرُ باهتمام المعنيّين لا سيما أنه حدّد فيها مواصفاتِ رئيس الجمهورية المقبل إنطلاقاً من خيارات الناخب “الصح” وراء العازل.
معاييرُ الرئيس الجديد قالها الراعي بوضوح: “رئيسٌ يعملُ على تحديثِ علاقاتِ المكوناتِ الميثاقيّةِ في ظل دولة قادرةٍ على استيعاب التعدّديّةِ واحتضانِ الجميع في نظامٍ لامركزيٍّ موسّع.
ويعملُ ساعياً على أن يتوحّد الولاءُ، ويلتزم بالحيادِ، وتُطوى جميعُ المشاريعِ الدخيلةِ على وطنِنا ومجتمعِنا، وتتساوى النظرة إلى لبنان، ويَنظر الأفرقاءُ إلى بعضِهم البعضِ كشركاء وأخوة، لا كأعداء وإقصائيين… على أن يصبَّ الرئيس الجديد قواه على تعزيزِ استقلالِ لبنان وسيادتِه وهُويّتِه الأصيلةِ من خلالِ شرعيّةٍ ملتزِمةٍ بالدستورِ والميثاق”.
مصادر مقرَّبة من بكركي أشارت عبر”المركزية” إلى “أنَّ الكنيسةَ المارونيَّة وتحديداً البطريرك مار بشارة بطرس الراعي معنيّ شخصياً في هذه المرحلة بالتطوُّرات السياسيَّة والوطنيَّة”. وفي الشأن الإنتخابيّ يضيف: “سابقاً كانت الإنتخاباتُ بمثابةِ استحقاقٍ كلاسيكيّ دوريّ. أمَّا اليوم فهي جزءٌ من آلية اختيار لبنان الجديد والجمهوريَّة الجديدة والنظام الجديد والصيغة السياسيَّة الجديدة”.
إيلاءُ الراعي الأهميَّةَ القصوى للإنتخابات لا يعني أن له موقفاً مُسبقاً أو ثابتاً من المرشحين، “إنما هو يضعُ المواصفات لتحديد الخيارات ويترك للمواطنين أفرادا وجماعات أن يختاروا من يشاؤون خصوصاً أن مرحلة ما بعد الإنتخابات لن تكون كما قبلها ومن هنا أهميَّة أن يختار الناخب “صح”.
وفي السياق توضحُ المصادر أنَّ رأي البطريرك غير ملزمٍ لأنَّه لا توجد في الديانة المسيحية ما يُسمَّى بالتكليف الشرعيّ “نحن دينُ التشاور والحوار، وهو يسعى من خلال عظاتِه التي يولي في شقّ منها الأهميَّة القصوى للإستحقاق الإنتخابيّ إعطاء المعايير التي على أساسِها سيختارُ الناخبُ، ومن الضروريّ أن لا يكون اختيارُه في استحقاق 2022 على غرار الدورات السابقة. فالأحداثُ التي جرَت بين العامَين 2018 و2022 قلَبَت وجهَ لبنان رأساً على عقب بدءاً من ثورة تشرين الأول 2019 مروراً بجريمة تفجير المرفأ وتمركُز لبنان في محورِ المُمانعة والإنهيار الكليّ للسلطات كافةً، وصولاً إلى ذلك تحوُّل لبنان من بلد مُتقدِّم إلى متخلفٍ ومن دولة تسعى إلى استرداد أبنائها إلى دولةٍ تُصدّر وتهجّر شعبَها.. كلُّ هذا يفترضُ أن تكونَ معاييرُ اختيارِ المرشَّحين مختلفة عما كانت عليه في 2018، والأكيد أن تبعات الخيارات السيئة ستكون أشد سوءاً من تبعات التسوية التي حصلت عام 2016”.
ثمة من يرى في دعوة الراعي الشعب إلى “انتخاب ما يلبّي حاجته الى مجلسٍ جديدٍ يكون على مستوى التحدّياتِ التي تَنتظره، وفي مقدّمها انتخابُ رئيسٍ جديد للجمهورية في موعده الدستوري” تحذير ضمنيّ من وصول رئيس جمهورية جديد من فريق 8 آذار مُرتهن لمحاور خارجية، وقد سبق له وحدد مواصفات الرئيس في أكثر من موقف كما حذر من الاستمرار في السياسة الحالية ووجوب الاتجاه الى تحرير لبنان واعادته الى موقعه الطبيعي مع اعتماد الحياد الايجابي. لكن بعض المصادر المقربة من بكركي تؤكد أن “الراعي يتعدى موضوع 8 و14 آذار. ومطلبه وطني بحت. فالرئيس الجديد يجب أن يكون فوق الصراعاتِ والإصطفافات ويؤمِنُ بالكيان والدستور والتغيير والديمقراطيَّة والحياد والإستقلال والسّيادة بما تعنيه هذه الكلمة، والأهم خروجه من سياسة المحاور. باختصار هو يدعو إلى حسن اختيار الشعب لمرشحيه لينتخبوا لاحقاً وفي الموعد الدستوري رئيساً يعيدُ الجمهورية اللبنانية إلى الكيان اللبناني.
حتى صدور نتائج الإنتخابات لا يمكن التكلم أو الرهان على هوية رئيس الجمهورية الجديد. أياً تكن، فإن انتخاب الرئيس يكون بالثلثين وليس بالأكثرية المطلقة. من هنا ترى المصادر أن تركيبة المجلس لن تسمح بإجراء التغيير المطلوب من دون حصول مبادرة دولية تُفرض على الجميع، أو إتفاق ضمن هيئة حوار.
هنا فقط يجدر القول بضرورة اختيار مرشحين يتمتعون بالنزاهة والجرأة والشجاعة والإيمان بلبنان الوطن والحياد لقطع الطريق أمام وصول أغلبية نواب من فريق 8 آذار إلى مجلس 2022 ترتبط عضويا بالمحور الإيراني، وعليه ستكون صورة رئيس الجمهورية الجديد.
“أخشى ما أخشاه” قالها ذات يوم البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير. ومن هذه الخيارات الخاطئة يخشى البطريرك الراعي ويحذر.