صدّق أو لا تُصدّق، إنها خديعة العصر…
بعد الإمتناع عن الرد لمدة قاربت الثلاثة أسابيع على مقتل فؤاد شُكر واسماعيل هنيّة، وذلك على خلفية أن الرد يجب أن يكون موحّداً من كل الإتجاهات وبالتزامن، ربطاً بمعادلة وحدة الساحات، إلا أن إيران أصرّت على عدم الرد لعدم استجرار الدمار إلى طهران… فبعد التشاور داخل محور الممانعة، استقر الرأي على أن يرد الحزب منفرداً، وقد تم تحديد ساعة الصفر، أي الأحد الفائت في 25 آب 2024 الساعة 5:15 فجراً بتوقيت بيروت، وقد تم إطلاع القيادة الإيرانية على خارطة الهجوم والمواقع الإسرائيلية وكامل التفاصيل، وبناءً للخطة المرسومة تم منح الحزب الضوء الأخضر للتنفيذ…
ومن جهة أخرى، ولكسب ود الولايات المتحدة، وإظهار نفسها كحمامة سلام، أبلغت إيران القيادة الوسطى للجيش الأميركي تفاصيل العملية وتوقيتها، وبالتالي تم إبلاغ الحكومة الإسرائيلية ورئاسة أركان الجيش الإسرائيلي بكل ما يلزم من معلومات للقيام بالهجوم الإستباقي الذي شاهده العالم أجمع…
السيناريو الخبيث لم يتوقف عند هذا الحد، فبعد إبلاغ القيادة الوسطى للجيش الأميركي، والحكومة الإسرائيلية، أبلغت إيران قيادة الحزب بأن إسرائيل كشفت خطة الهجوم وستقوم بهجوم استباقي ما يُحتم عليه إخلاء كافة المواقع التي كانت مُعدّة للهجوم لأنه سيتم تدميرها بالكامل، وهذا ما حصل بالضبط…
وعليه، واستناداً لما حاكته إيران بحنكة من سيناريو هوليودي، تكون كافة الأطراف قد خرجت منتصرة، بمعنى أن طهران باعت هذا الموقف للولايات المتحدة لتُبادِلَها الأخيرة بمزيد من التنازلات على طاولة المفاوضات، كما ظهرت إيران بموقع الحريص على الحزب وأبلغته مُسبقاً لتجنيبه خسائر بشرية فادحة، كما بررت موقفها له من عدم الرد، وأعطت نفسها أحقيّة في هذا الإطار… وبطبيعة الحال، فإن إدارة بايدن قد أظهرت حرصها على إسرائيل وعلى الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، خاصة على عتبة انتخابات رئاسية حامية… بدورها إسرائيل بدت أنها كشفت المخطط وظهر نتانياهو كبطل قومي بنظر شعبه وليس من السهل التخلّي عنه لمصلحة أي كان…
باختصار، المشهد أعلاه يعكس ربح كافة الأطراف ولو بنسبٍ متفاوتة، وذلك على الرغم من هزالة موقف الحزب الذي ظهر كالزوج المخدوع من جهة وخادعاً للشعب اللبناني من جهة ثانية، عبر اختطافه للدولة والسيادة والدستور والقانون… وكل مسرحية والحزب يقتصر دوره على الكومبارس، واسرائيل مطمئنّة لوجودها وحضورها، وإيران لاعب ماهر على الحبال الأميركية…